إذا اعتكر ظلامه من قوله تعالى إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ومنه : غسقت العين امتلأت دمعا، وغسقت الجراحة امتلأت دما. ووقوبه : دخول ظلامه في كل شيء. ويقال : وقبت الشمس إذا غابت.
وفي الحديث : لما رأى الشمس قد وقبت قال : هذا حين حلها، يعنى صلاة المغرب «١». وقيل :
هو القمر إذا امتلأ، وعن عائشة رضى اللّه عنها : أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيدي فأشار إلى القمر فقال : تعوّذى باللّه من شر هذا، فإنه الغاسق إذا وقب «٢». ووقوبه : دخوله في الكسوف واسوداده. ويجوز أن يراد بالغاسق : الأسود من الحيات : ووقبه : ضربه ونقبه.
والوقب : النقب. ومنه : وقبة الثريد، والتعوّذ من شر الليل لأن انبثاثه فيه أكثر، والتحرّز منه أصعب. ومنه قولهم : الليل أخفى للويل. وقولهم : أغدر الليل، لأنه إذا أظلم كثر فيه الغدر وأسند الشر إليه لملابسته له من حدوثه فيه النَّفَّاثاتِ النساء، أو النفوس، أو الجماعات السواحر اللاتي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها «٣» ويرقين : والنفث النفخ من ريق، ولا تأثير لذلك «٤»، اللهم إلا إذا كان ثم إطعام شيء ضار، أو سقيه، أو إشمامه. أو مباشرة المسحور به على بعض الوجوه، ولكنّ اللّه عز وجل قد يفعل عند ذلك فعلا على سبيل الامتحان الذي يتميز به الثبت على الحق من الحشوية والجهلة من العوام، فينسبه الحشو والرعاع «٥» إليهنّ وإلى نفثهن، والثابتون بالقول الثابت لا يلتفتون إلى ذلك ولا يعبئون به. فإن قلت : فما معنى الاستعاذة من شرهن «٦»؟ قلت : فيها ثلاثة أوجه، أحدها : أن يستعاذ من عملهن الذي هو صنعة السحر ومن إثمهنّ في ذلك. والثاني : أن يستعاذ من فتنتهن الناس بسحرهن وما يخدعنهم به من باطلهن. والثالث : أن يستعاذ مما يصيب اللّه به من الشر عند نفثهن، ويجوز أن يراد
(١). أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث من طريق عبيد اللّه بن عقبة مرسلا.
(٢). أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم وأحمد وإسحاق وابن أبى شيبة وأبو يعلى كلهم من طريق ابن أبى ذئب عن خالد الحرث بن عبد الرحمن عن أبى سلمة عنها.
(٣). قال محمود :«هن السواحر اللاتي يعقدن الخيوط وينفثن عليها... الخ» قال أحمد : وقد تقدم أن قاعدة القدرية إنكار حقيقة السحر، على أن الكتاب والسنة قد وردا بوقوعه والأمر بالتعوذ منه. وقد سحر صلى اللّه عليه وسلم في مشط ومشاطة في جف طلعة ذكر. والحديث مشهور، وإنما الزمخشري استفزه الهوى حتى أنكر ما عرف، وما به إلا أن يتبع اعتزاله ويغطى بكفه وجه الغزالة»
(٤). قوله «و لا تأثير لذلك» مبنى على مذهب المعتزلة من أنه لا حقيقة للسحر ولا تأثير له. وذهب أهل السنة إلى إثباته وإثبات تأثيره لظاهر الكتاب والسنة. (ع)
(٥). قوله «فينسب الحشوية والرعاع» في الصحاح «الرعاع» : الأحداث الطغام. وفيه «الطغام» : أو غاد الناس وفيه «الوغد» : الرجل الدنى. الذي يخدم بطعام بطنه. (ع)
(٦). قال محمود :«فان قلت : ما معنى الاستعاذة من شرهن، وأجاب... الخ» قال أحمد : وهذا من الطراز الأول قعد عنه جانبا، ولو فسر غيره التفاثات في العقد بالمتخيلات من النساء ولسن ساحرات حتى يتمم إنكار وجود السحر : لعده من يدع التفاسير.