المفردات في غريب القرآن، ص : ١٠٧
٣٨ -
فعل السريعة بادرت جدّادها قبل المساء تهمّ بالإسراع
بتر
البَتَر يقارب ما تقدّم، لكن يستعمل في قطع الذّنب، ثم أجري قطع العقب مجراه.
فقيل : فلان أَبْتَر : إذا لم يكن له عقب يخلفه، ورجل أَبْتَر وأَبَاتِر : انقطع ذكره عن الخير ورجل أَبَاتِر : يقطع رحمه، وقيل على طريق التشبيه :
خطبة بَتْرَاء لما لم يذكر فيها اسم اللّه تعالى.
وذلك لقوله عليه السلام :«كلّ أمر لا يبدأ فيه بذكر اللّه فهو أبتر» «١».
وقوله تعالى : إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر / ٣] أي : المقطوع الذكر، وذلك أنهم زعموا أنّ محمدا صلّى اللّه عليه وسلم ينقطع ذكره إذا انقطع عمره لفقدان نسله، فنبّه تعالى أنّ الذي ينقطع ذكره هو الذي يشنؤه، فأمّا هو فكما وصفه اللّه تعالى بقوله : وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح / ٤] وذلك لجعله أبا للمؤمنين، وتقييض من يراعيه ويراعي دينه الحق، وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين رضي اللّه عنه بقوله :«العلماء باقون ما بقي الدّهر، أعيانهم مفقودة، وآثارهم في القلوب موجودة» «٢» هذا في العلماء الذين هم تبّاع النبي عليه الصلاة والسلام، فكيف هو وقد رفع اللّه عزّ وجل ذكره، وجعله خاتم الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام؟!
بتل
قال تعالى : وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا
[المزمل / ٨] أي : انقطع في العبادة وإخلاص النية انقطاعا يختص به، وإلى هذا المعنى أشار بقوله عزّ وجل : قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ [الأنعام / ٩١] وليس هذا منافيا لقوله عليه الصلاة والسلام :
«لا رهبانية ولا تَبَتُّلَ في الإسلام» «٣» فإنّ التبتل هاهنا هو الانقطاع عن النكاح، ومنه قيل لمريم :
العذراء البَتُول، أي : المنقطعة عن الرجال «٤»، والانقطاع عن النكاح والرغبة عنه محظور لقوله عزّ وجل : وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ [النور / ٣٢]،
(١) الحديث عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم :«كل كلام أو أمر ذي بال لا يفتح بذكر اللّه عزّ وجلّ فهو أبتر، أو قال : أقطع» أخرجه أحمد في المسند ٢ / ٣٥٩. وابن ماجة ١ / ٦١٠، وحسّنه النووي وابن الصلاح.
(٢) انظر : شرح نهج البلاغة ٢ / ١٧٢. [.....]
(٣) قال ابن حجر في الفتح : لم أره بهذا اللفظ، لكن في حديث سعد بن أبي وقاص عند الطبراني :«إنّ اللّه أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة»، وفي الحديث : نهى رسول اللّه عن التبتل أخرجه أحمد ١ / ١٧٥، وابن ماجة ١ / ٥٩٣.
راجع فتح الباري ٩ / ١١١، وذكره السيوطي في الجامع الصغير بلفظ :«ولا ترهّب في الإسلام» ونسبه إلى عبد الرزاق عن طاوس مرسلا. راجع شرح السنة ٢ / ٣٧١، وذكره البغوي ولم يعزه.
(٤) راجع المجمل ١ / ١١٥، والغريبين ١ / ١٣٢، واللسان (بتل).