المفردات في غريب القرآن، ص : ١١٤
فاستعير لكلّ مضيّع لماله، فتبذير البذر : تضييع في الظاهر لمن لم يعرف مآل ما يلقيه. قال اللّه تعالى : إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ
[الإسراء / ٢٧]، وقال تعالى : وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً
[الإسراء / ٢٦].
برَّ
البَرُّ خلاف البحر، وتصوّر منه التوسع فاشتق منه البِرُّ، أي : التوسع في فعل الخير، وينسب ذلك إلى اللّه تعالى تارة نحو : إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ
[الطور / ٢٨]، وإلى العبد تارة، فيقال : بَرَّ العبد ربه، أي : توسّع في طاعته، فمن اللّه تعالى الثواب، ومن العبد الطاعة. وذلك ضربان :
ضرب في الاعتقاد.
وضرب في الأعمال، وقد اشتمل عليه قوله تعالى : لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ [البقرة / ١٧٧] وعلى هذا ما روي «أنه سئل عليه الصلاة والسلام عن البرّ، فتلا هذه الآية» «١».
فإنّ الآية متضمنة للاعتقاد والأعمال الفرائض والنوافل. وبِرُّ الوالدين : التوسع في الإحسان إليهما، وضده العقوق، قال تعالى : لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ [الممتحنة / ٨]، ويستعمل البِرُّ في الصدق لكونه بعض الخير المتوسع فيه، يقال : بَرَّ في قوله، وبرّ في يمينه، وقول الشاعر :
٤٣ -
أكون مكان البرّ منه
«٢» قيل : أراد به الفؤاد، وليس كذلك، بل أراد ما تقدّم، أي : يحبّني محبة البر.
ويقال : بَرَّ أباه فهو بَارٌّ وبَرٌّ مثل : صائف وصيف، وطائف وطيف، وعلى ذلك قوله تعالى : وَبَرًّا بِوالِدَتِي [مريم / ٣٢]. وبَرَّ في يمنيه فهو بَارٌّ، وأَبْرَرْتُهُ، وبَرَّتْ يميني، وحجّ مَبْرُور أي : مقبول، وجمع البارّ : أَبْرَار وبَرَرَة، قال تعالى : إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار / ١٣]، وقال : كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين / ١٨]، وقال في صفة الملائكة : كِرامٍ بَرَرَةٍ
[عبس / ١٦].
(١) الحديث أخرجه ابن أبي حاتم وصححه عن أبي ذر أنه سأل رسول اللّه عن الإيمان فتلا لَيْسَ الْبِرَّ... حتى فرغ منها ثم سأله أيضا فتلاها، ثم سأله فتلاها، وقال :«وإذا عملت حسنة أحبّها قلبك، وإذا عملت سيئة أبغضها قلبك» انظر : الدر المنثور ١ / ٤١٠، والمستدرك ٢ / ٢٧٢.
(٢) الشطر لخداش بن زهير وهو بتمامه :
أكون مكان البرّ منه ودونه وأجعل مالي دونه وأوامره
وهو في تاج العروس (برّ)، والمجمل ١ / ١١٢، واللسان (برر)، وليس في شعره، وذكر جامع ديوانه بيتا له من نفس القافية والبحر، وهو في شمس العلوم ١ / ١٢٣.