المفردات في غريب القرآن، ص : ١٤٢
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ [ص / ١ - ٢]، فإنّه دلّ بقوله :
وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ أنّ القرآن مقرّ للتذكر، وأن ليس امتناع الكفار من الإصغاء إليه أن ليس موضعا للذكر، بل لتعزّزهم ومشاقّتهم، وعلى هذا : ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا [ق / ١ - ٢]، أي : ليس امتناعهم من الإيمان بالقرآن أن لا مجد للقرآن، ولكن لجهلهم، ونبّه بقوله : بَلْ عَجِبُوا على جهلهم، لأنّ التعجب من الشيء يقتضي الجهل بسببه، وعلى هذا قوله عزّ وجلّ : ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ [الانفطار / ٦ - ٩]، كأنه قيل : ليس هاهنا ما يقتضي أن يغرّهم به تعالى، ولكن تكذيبهم هو الذي حملهم على ما ارتكبوه.
- والضرب الثاني من «بل» : هو أن يكون مبيّنا للحكم الأول وزائدا عليه بما بعد «بل»، نحو قوله تعالى : بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ [الأنبياء / ٥]، فإنّه نبّه أنهم يقولون : أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ، يزيدون على ذلك أنّ الذي أتى به مفترى افتراه، بل يزيدون فيدّعون أنه كذّاب، فإنّ الشاعر في القرآن عبارة عن الكاذب بالطبع، وعلى هذا قوله تعالى : لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ [الأنبياء / ٣٩ - ٤٠]، أي : لو يعلمون ما هو زائد عن الأول وأعظم منه، وهو أن تأتيهم بغتة، وجميع ما في القرآن من لفظ «بل» لا يخرج من أحد هذين الوجهين وإن دقّ الكلام في بعضه.
بلد
البَلَد : المكان المحيط المحدود المتأثر باجتماع قطّانه وإقامتهم فيه، وجمعه : بِلَاد وبُلْدَان، قال عزّ وجلّ : لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ [البلد / ١]، قيل : يعني به مكة «١». قال تعالى :
بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ [سبأ / ١٥]، فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً [الزخرف / ١١]، وقال عزّ وجلّ :
فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ [الأعراف / ٥٧]، رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً [البقرة / ١٢٦]، يعني : مكة وتخصيص ذلك في أحد الموضعين وتنكيره في الموضع الآخر له موضع غير هذا الكتاب «٢».

_
(١) وهذا قول ابن عباس فيما أخرجه عنه ابن جرير : ٣٠ / ١٩٣ وابن أبي حاتم.
(٢) قال الإسكافي :(قوله تعالى في البقرة : رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً، وفي سورة إبراهيم : رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً. قال : الجواب أن يقال : الدعوة الأولى وقعت ولم يكن المكان قد جعل بلدا، فكأنّه قال : اجعل هذا الوادي بلدا آمنا، والدعوة الثانية وقعت وقد جعل بلدا، فكأنه قال : اجعل هذا المكان الذي صيّرته كما أردت ومصرّته كما سألت ذا أمن على من أوى إليه). ا. ه مختصرا. راجع درة التنزيل للإسكافي ص ٢٩، وفتح الرحمن للأنصاري ص ٣٩، وملاك التأويل ١ / ٩٠.


الصفحة التالية
Icon