المفردات في غريب القرآن، ص : ١٤٥
الجهد، ولا يصحّ : بلغني المكان وأدركني.
والبلاغة تقال على وجهين :
- أحدهما : أن يكون بذاته بليغا، وذلك بأن يجمع ثلاثة أوصاف : صوبا في موضوع لغته، وطبقا للمعنى المقصود به، وصدقا في نفسه «١»، ومتى اخترم وصف من ذلك كان ناقصا في البلاغة.
- والثاني : أن يكون بليغا باعتبار القائل والمقول له، وهو أن يقصد القائل أمرا فيورده على وجه حقيق أن يقبله المقول له، وقوله تعالى : وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً [النساء / ٦٣]، يصح حمله على المعنيين، وقول من قال «٢» : معناه قل لهم : إن أظهرتم ما في أنفسكم قتلتم، وقول من قال : خوّفهم بمكاره تنزل بهم، فإشارة إلى بعض ما يقتضيه عموم اللفظ، والبلغة : ما يتبلّغ به من العيش.
بلى
يقال : بَلِيَ الثوب بِلًى وبَلَاءً، أي : خلق، ومنه قيل لمن سافر : بلو سفر وبلي سفر، أي :
أبلاه السفر، وبَلَوْتُهُ : اختبرته كأني أخلقته من كثرة اختباري له، وقرئ : هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ «٣» [يونس / ٣٠]، أي : تعرف حقيقة ما عملت، ولذلك قيل : بلوت فلانا : إذا اختبرته، وسمّي الغم بلاءً من حيث إنه يبلي الجسم، قال تعالى : وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ [البقرة / ٤٩]، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ الآية [البقرة / ١٥٥]، وقال عزّ وجل : إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ [الصافات / ١٠٦]، وسمي التكليف بلاء من أوجه :
- أحدها : أن التكاليف كلها مشاق على الأبدان، فصارت من هذا الوجه بلاء.
- والثاني : أنّها اختبارات، ولهذا قال اللّه عزّ وجل : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ [محمد / ٣١].
- والثالث : أنّ اختبار اللّه تعالى للعباد تارة بالمسار ليشكروا، وتارة بالمضار ليصبروا، فصارت المحنة والمنحة جميعا بلاء، فالمحنة مقتضية للصبر، والمنحة مقتضية للشكر.
والقيام بحقوق الصبر أيسر من القيام بحقوق الشكر فصارت المنحة أعظم البلاءين، وبهذا النظر قال عمر :(بلينا بالضراء فصبرنا وبلينا بالسراء فلم نشكر) «٤»، ولهذا قال أمير
(١) وفي هذا يقول مخلوف الميناوي :
بلاغة الكلام أن يطابقا - وهو فصيح - مقتضى الحال ثقا
(٢) هو الزجاج في معاني القرآن ٢ / ٧٠.
(٣) وهي قراءة الجميع عدا حمزة والكسائي. [.....]
(٤) انظر الزهد لابن المبارك ص ١٨٢، والرياض النضرة للطبري ٤ / ٣١٤، وسنن الترمذي ٣ / ٣٠٧.