المفردات في غريب القرآن، ص : ١٥٨
فممّا هو بيان بالحال قوله : وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ
[الزخرف / ٦٢]، أي : كونه عدوّا بَيِّن في الحال. تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ [إبراهيم / ١٠].
وما هو بيان بالاختبار فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل / ٤٣ - ٤٤]، وسمّي الكلام بيانا لكشفه عن المعنى المقصود إظهاره نحو : هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ [آل عمران / ١٣٨].
وسمي ما يشرح به المجمل والمبهم من الكلام بيانا، نحو قوله : ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ [القيامة / ١٩]، ويقال : بَيَّنْتُهُ وأَبَنْتُهُ : إذا جعلت له بيانا تكشفه، نحو : لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل / ٤٤]، وقال : نَذِيرٌ مُبِينٌ [ص / ٧٠]، وإِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ [الصافات / ١٠٦]، وَلا يَكادُ يُبِينُ [الزخرف / ٥٢]، أي : يبيّن، وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف / ١٨].
باء
أصل البَوَاء : مساواة الأجزاء في المكان، خلاف النّبو الذي هو منافاة الأجزاء. يقال :
مكان بَوَاء : إذا لم يكن نابيا بنازله، وبَوَّأْتُ له مكانا : سوّيته فَتَبَوَّأَ، وبَاءَ فلان بدم فلان يَبُوءُ به أي : ساواه، قال تعالى : وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً [يونس / ٨٧]، وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ
[يونس / ٩٣]، تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ [آل عمران / ١٢١]، يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ [يوسف / ٥٦]، وروي أنه :(كان عليه السلام يتبوّأ لبوله كما يتبوّأ لمنزله) «١» وبَوَّأْتُ الرمح : هيأت له مكانا، ثم قصدت الطعن به، وقال عليه السلام :«من كذب عليّ متعمّدا فليتبوأ مقعده من النّار» «٢»، وقال الراعي في صفة إبل :
٧٧ -
لها أمرها حتى إذا ما تبوّأت بأخفافها مأوى تبوّأ مضجعا
«٣» أي : يتركها الراعي حتى إذا وجدت مكانا موافقا للرعي طلب الراعي لنفسه متبوّأ
(١) الحديث عن أبي هريرة قال :«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يتبوّأ لبوله كما يتبوأ لمنزله» أخرجه الطبراني في الأوسط، وهو من رواية يحيى بن عبيد بن دجي عن أبيه. قال الهيثمي : ولم أر من ذكرهما، وبقية رجاله موثقون. انظر : مجمع الزوائد ١ / ٢٠٩. وأخرجه الحارث بن أبي أسامة، وانظر : المطالب العالية ١ / ١٥.
(٢) الحديث صحيح متفق على صحته وهو في فتح الباري ٣ / ١٣٠ في الجنائز، ومسلم رقم ١٤١ في المقدمة، باب تغليظ الكذب على رسول اللّه. وقال جعفر الكتاني : لا يعرف حديث رواه أكثر من ستين صحابيا إلا هذا، ولا حديث اجتمع على روايته العشرة المبشرة إلا هو. انظر : نظم المتناثر ص ٢٣، وشرح السنة ١ / ٢٥٣. [.....]
(٣) البيت في ديوانه ص ١٦٤، وغريب الحديث ٤ / ٤٤٤، والجمهرة ٢ / ٣٤٧، والفائق ١ / ٦٥٥.