المفردات في غريب القرآن، ص : ١٥٩
لمضجعه. ويقال : تَبَوَّأَ فلان كناية عن التزوّج، كما يعبّر عنه بالبناء فيقال : بنى بأهله. ويستعمل البَوَاء في مراعاة التكافؤ في المصاهرة والقصاص، فيقال : فلان بواء لفلان إذا ساواه، وقوله عزّ وجلّ : باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ
[الأنفال / ١٦]، أي : حلّ مبّوأ ومعه غضب اللّه، أي : عقوبته، وقوله : بِغَضَبٍ في موضع حال، كخرج بسيفه، أي : رجع، لا مفعول نحو : مرّ بزيد. واستعمال (باء) تنبيها على أنّ مكانه الموافق يلزمه فيه غضب اللّه، فكيف غيره من الأمكنة؟ وذلك على حدّ ما ذكر في قوله :
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [آل عمران / ٢١]، وقوله : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ [المائدة / ٢٩] أي : تقيم بهذه الحالة. قال :
٧٨ -
أنكرت باطلها وبؤت بحقّها
«١» وقول من قال : أقررت بحقها فليس تفسيره بحسب مقتضى اللفظ «٢». والبَاءَة كناية عن الجماع. وحكي عن خلف الأحمر «٣» أنه قال في قولهم : حيّاك اللّه وبيّاك :
إنّ أصله : بوّأك منزلا، فغيّر لازدواج الكلمة، كما غيّر جمع الغداة في قولهم : آتيه الغدايا والعشايا «٤».
الباء
الباء يجيء إمّا متعلّقا بفعل ظاهر معه، أو متعلّقا بمضمر، فالمتعلق بفعل ظاهر معه ضربان :
- أحدهما : لتعدية الفعل، وهو جار مجرى الألف الداخل على الفعل للتعدية، نحو : ذهبت به، وأذهبته. قال تعالى : وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً [الفرقان / ٧٢].
- والثاني : للآلة، نحو : قطعه بالسكين «٥».
والمتعلّق بمضمر يكون في موضع الحال، نحو : خرج بسلاحه، أي : وعليه السلاح، أو :
معه السلاح. وربما قالوا : تكون زائدة، نحو :
وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا [يوسف / ١٧]،
(١) الشطر للبيد، وعجزه :
عندي ولم يفخر عليّ كرامها
وهو في ديوانه ص ١٧٨، شرح المعلقات ١ / ١٧٠، والعباب الفاخر (بوء) ١ / ٥٦.
(٢) قال الصاغاني : ويقال : باء بحقّه، أي : أقرّ، وذا يكون أبدا بما عليه لا له. انظر العباب :(بوء)، واللسان (بوء)، والمجمل (بوء).
(٣) انظر ترجمته في إنباه الرواة ١ / ٣٨٣، ومعجم الأدباء ١١ / ٦٦، وهذا خطأ من المؤلف فالأحمر المراد هنا ليس خلفا بل هو علي بن المبارك الأحمر، صاحب الكسائي، وقد نقل هذا عنه أبو عبيد في الغريب المصنف.
(٤) قال ابن منظور : وقالوا : إني لآتيه بالغدايا والعشايا، والغداة لا تجمع على الغدايا، ولكنهم كسروه على ذلك ليطابقوا بين لفظه ولفظ العشايا، فإذا أفردوه لم يكسروه. وقال ابن السكيت : أرادوا جمع الغداة فأتبعوها العشايا للازدواج. راجع اللسان (غدا) ١٥ / ١١٧.
(٥) ذكر أبو الحسين المزني للباء واحدا وعشرين معنى، فارجع إلى كتابه «الحروف» ص ٥٤.