المفردات في غريب القرآن، ص : ١٦٠
وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء / ١١٤]، وَكَفى بِنا حاسِبِينَ [الأنبياء / ٤٧]، وفي كل ذلك لا ينفكّ عن معنى، ربما يدقّ فيتصور أنّ حصوله وحذفه سواء، وهما في التحقيق مختلفان، سيما في كلام من لا يقع عليه اللغو، فقوله : وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا [يوسف / ١٧]، فبينه وبين قولك :(ما أنت مؤمنا لنا) فرق، فالمتصوّر من الكلام إذا نصبت ذات واحدة، كقولك : زيد خارج، والمتصور منه إذا قيل :(ما أنت بمؤمن لنا) ذاتان، كقولك : لقيت بزيد رجلا فاضلا، فإنّ قوله : رجلا فاضلا - وإن أريد به زيد - فقد أخرج في معرض يتصوّر منه إنسان آخر، فكأنه قال : رأيت برؤيتي لك آخر هو رجل فاضل.
وعلى هذا : رأيت بك حاتما في السخاء، وعلى هذا : وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء / ١١٤]، وقوله تعالى : أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ [الزمر / ٣٦].
وقوله : تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ [المؤمنون / ٢٠] قيل معناه : تنبت الدهن، وليس ذلك بالمقصود، بل المقصود أنها تنبت النبات ومعه الدهن، أي : والدهن فيه موجود بالقوة، ونبّه بلفظة بِالدُّهْنِ على ما أنعم به على عباده وهداهم إلى استنباطه. وقيل : الباء هاهنا للحال «١»، أي :
حاله أنّ فيه الدهن.
والسبب فيه أنّ الهمزة والباء اللتين للتعدية لا يجتمعان، وقوله : وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً [الفتح / ٢٨]، فقيل : كفى اللّه شهيدا نحو : وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ [الأحزاب / ٢٥] الباء زائدة، ولو كان ذلك كما قيل لصحّ أن يقال :
كفى باللّه المؤمنين القتال، وذلك غير سائغ، وإنما يجيء ذلك حيث يذكر بعده منصوب في موضع الحال كما تقدّم ذكره. والصحيح أن (كفى) هاهنا موضوع موضع اكتف، كما أنّ قولهم : أحسن بزيد، موضوع موضع ما أحسن. ومعناه : اكتف باللّه شهيدا، وعلى هذا وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً [الفرقان / ٣١]، وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا [النساء / ١٣٢]، [الأحزاب / ٤٨]، وقوله : أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت / ٥٣]، وعلى هذا قوله : حبّ إليّ بفلان، أي : أحبب إليّ به.
وممّا ادّعي فيه الزيادة : الباء في قوله :

_
(١) قال أبو البقاء : في الآية وجهان : أحدهما : هو متعدّ، والمفعول محذوف، تقديره : تنبت ثمرها أو جناها، والباء على هذا حال من المحذوف، أي : وفيه الدهن، كقولك : خرج زيد بثيابه، وقيل : الباء زائدة، فلا حذف إذا بل المفعول الدهن. والوجه الثاني : هو لازم، يقال : نبت البقل وأنبت بمعنى، فعلى هذا الباء حال، وقيل : هي مفعول، أي : تنبت بسبب الدهن. راجع : إعراب القرآن للعكبري ٢ / ٩٥٢.


الصفحة التالية
Icon