المفردات في غريب القرآن، ص : ١٨٥
مجبرا في صورة مخيّر، فإمّا راض بصنعته لا يريد عنها حولا، وإمّا كاره لها يكابدها مع كراهيته لها، كأنه لا يجد عنها بدلا ولذلك قال تعالى : فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [المؤمنون / ٥٣]، وقال عزّ وجل : نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [الزخرف / ٣٢]، وعلى هذا الحدّ وصف بالقاهر، وهو لا يقهر إلا على ما تقتضي الحكمة أن يقهر عليه، وقد روي عن أمير المؤمنين رضي اللّه عنه :(يا بارئ المسموكات وجبّار القلوب على فطرتها شقيّها وسعيدها).
وقول ابن قتيبة «١» : هو من : جبرت العظم، فإنه جبر القلوب على فطرتها من المعرفة، فذكر لبعض ما دخل في عموم ما تقدّم. وجَبَرُوت : فعلوت من التجبر، واسْتَجْبَرْتُ حاله : تعاهدت أن أجبرها، وأصابته مصيبة لا يَجْتَبِرُهَا أي : لا يتحرّى لجبرها من عظمها، واشتق من لفظ جبر العظم الجَبِيرَة :
للخرقة التي تشد على المَجْبُور، والجِبَارة للخشبة التي تشدّ عليه، وجمعها جَبَائِر، وسمّي الدّملوج «٢» جبارة تشبيها بها في الهيئة، والجبار :
لما يسقط من الأرش.
جبل
الجَبَل جمعه : أَجْبَال وجِبَال، وقال عزّ وجل :
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً [النبأ / ٦ - ٧]، وقال تعالى : وَالْجِبالَ أَرْساها [النازعات / ٣٢]، وقال تعالى :
وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ [النور / ٤٣]، وقال تعالى : وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها [فاطر / ٢٧]، وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ : يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً [طه / ١٠٥]، وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ [الشعراء / ١٤٩]، واعتبر معانيه، فاستعير منه واشتق منه بحسبه، فقيل : فلان جبل لا يتزحزح تصورا لمعنى الثبات فيه.
وجَبَلَهُ اللّه على كذا، إشارة إلى ما رّكب فيه من الطبع الذي يأبى على الناقل نقله، وفلان ذو جِبِلَّة، أي : غليظ الجسم، وثوب جيد الجبلة، وتصور منه معنى العظم، فقيل للجماعة العظيمة : جِبْلٌ. قال اللّه تعالى : وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً
[يس / ٦٢]، أي : جماعة تشبيها بالجبل في العظم وقرئ : جِبِلًّا «٣» مثقّلا.
قال التوزي «٤» : جُبْلًا «٥» وجَبْلًا وجُبُلًّا «٦» وجِبِلًّا.
(١) غريب الحديث ٢ / ١٤٥.
(٢) هو الحجر الأملس.
(٣) وهي قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي ورويس وخلف، بضمتين وتخفيف اللام.
(٤) اسمه عبد اللّه بن محمد، توفي ٢٣٠ ه. راجع أخباره في إنباه الرواة ٢ / ١٢٦.
(٥) وبها قرأ أبو عمرو وابن عامر.
(٦) وبها قرأ روح عن يعقوب.