المفردات في غريب القرآن، ص : ١٩٣
أبغيته مالا، أي أغثته.
وقوله عزّ وجلّ : وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا [المائدة / ٨]، وقوله عزّ وجل : فَعَلَيَّ إِجْرامِي
[هود / ٣٥]، فمن كسر «١» فمصدر، ومن فتح «٢» فجمع جرم.
واستعير من الجرم - أي : القطع - جَرَمْتُ صوف الشاة، وتَجَرَّمَ الليل «٣».
والجِرْمُ في الأصل : المجروم، نحو نقض ونفض للمنقوض والمنفوض، وجعل اسما للجسم المجروم، وقولهم : فلان حسن الجرم، أي : اللون، فحقيقته كقولك : حسن السخاء.
وأمّا قولهم : حسن الجرم، أي : الصوت «٤».
فالجرم في الحقيقة إشارة إلى موضع الصوت لا إلى ذات الصوت، ولكن لمّا كان المقصود بوصفه بالحسن هو الصوت فسّر به، كقولك : فلان طيب الحلق، وإنما ذلك إشارة إلى الصوت لا إلى الحلق نفسه. وقوله عزّ وجل : لا جَرَمَ
«٥» قيل : إنّ «لا» يتناول محذوفا، نحو «لا» في قوله تعالى : لا أُقْسِمُ [القيامة / ١]، وفي قول الشاعر :
٩٢ -
لا وأبيك ابنة العامري «٦»
ومعنى جرم : كسب، أو جنى. و : أَنَّ لَهُمُ النَّارَ [النحل / ٦٢]، في موضع المفعول، كأنه قال : كسب لنفسه النار.
وقيل : جَرَمَ وجَرِمَ بمعنى، لكن خصّ بهذا الموضع «جرم» كما خصّ عمر بالقسم، وإن كان عمر وعمر «٧» بمعنى، ومعناه : ليس بجرم أنّ لهم النار، تنبيها أنهم اكتسبوها بما ارتكبوه إشارة إلى قوله تعالى : وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها [الجاثية / ١٥].
(١) اتفق جميع القراء على كسر الهمزة من إِجْرامِي.
(٢) وهي قراءة شاذة.
(٣) أي : ذهب. [.....]
(٤) قال ابن مالك :
كسب وأرض ذات حرّ جرم وعرب والقطع، أمّا الجرم
فالجسم والصوت، وأمّا الجرم فالذّنب لا عوملت بالإذناب
(٥) الآية : لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ من سورة النحل : رقم (٦٢).
(٦) الشطر لامرئ القيس، وعجزه :
لا يدعي القوم أنّي أفرّ
وهو في ديوانه ص ٦٨.
(٧) قال الزمخشري : العمر : الحياة والبقاء، وفيه لغات ثلاث : عمر، وعمر، وعمر، ولا يستعمل في القسم من اللغات الثلاث إلا المفتوحة، لأنها أخف اللغات، ووزنها أخف الأوزان الثلاثية كلها، والقسم كثير الاستعمال عندهم فاختاروا له أخفّها، انظر : أعجب العجب ص ٣٨ - ٣٩.