المفردات في غريب القرآن، ص : ١٩٤
وقد قيل في ذلك أقوال، أكثرها ليس بمرتضى عند التحقيق «١».
وعلى ذلك قوله عزّ وجل : فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ [النحل / ٢٢]، لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ [النحل / ٢٣]، وقال تعالى : لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ [النحل / ١٠٩].
جرى
الجَرْي : المرّ السريع، وأصله كمرّ الماء، ولما يجري بجريه. يقال : جَرَى يَجْرِي جِرْيَة وجَرَيَاناً. قال عزّ وجل : وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف / ٥١]، وقال تعالى :
جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ [الكهف / ٣١]، وقال : وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ [الروم / ٤٦]، وقال تعالى : فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ [الغاشية / ١٢]، وقال : إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ
[الحاقة / ١١]، أي : السفينة التي تجري في البحر، وجمعها :
جَوَارٍ، قال عزّ وجلّ : وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ [الرحمن / ٢٤]، وقال تعالى : وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ [الشورى / ٣٢]، ويقال للحوصلة : جِرِّيَّة «٢»، إمّا لانتهاء الطعام إليها في جريه، أو لأنها مجرى الطعام.
والإِجْرِيَّا : العادة التي يجري عليها الإنسان، والجَرِيُّ : الوكيل والرسول الجاري في الأمر، وهو أخصّ من لفظ الرسول والوكيل، وقد جَرَيْتُ جَرْياً. وقوله عليه السلام :«لا يستجرينّكم الشّيطان» «٣» يصح أن يدّعى فيه معنى الأصل.
أي : لا يحملنّكم أن تجروا في ائتماره وطاعته، ويصح أن تجعله من الجري، أي : الرسول والوكيل «٤». ومعناه : لا تتولوا وكالة الشيطان ورسالته، وذلك إشارة إلى نحو قوله عزّ وجل :
فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ [النساء / ٧٦]، وقال عزّ وجل : إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ [آل عمران / ١٧٥].
جزع
قال تعالى : سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا [إبراهيم / ٢١]، الجَزَع : أبلغ من الحزن، فإنّ الحزن عام والجزع هو : حزن يصرف الإنسان

_
(١) انظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٨ - ٩.
(٢) انظر : المجمل ١ / ١٨٥.
(٣) الحديث عن مطرّف قال : قال أبي : انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فقلنا : أنت سيدنا فقال :«السيّد اللّه عزّ وجل»، قلنا : وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا، قال :«فقولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينّكم الشيطان» أخرجه أبو داود. انظر : معالم السنن ٤ / ١١٢، وأحمد في المسند ٣ / ٢٤١، والبيهقي في الأسماء والصفات ص ٣٩.
(٤) راجع : معالم السنن للخطابي ٤ / ١١٢.


الصفحة التالية
Icon