المفردات في غريب القرآن، ص : ٢١٥
تعالى : فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا [التوبة / ١٠٨]، وليس كذلك، فإنّ المحبّة أبلغ من الإرادة كما تقدّم آنفا، فكلّ محبّة إرادة، وليس كلّ إرادة محبّة، وقوله عزّ وجلّ : إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ [التوبة / ٢٣]، أي : إن آثروه عليه، وحقيقة الاستحباب : أن يتحرّى الإنسان في الشيء أن يحبّه، واقتضى تعديته ب (على) معنى الإيثار، وعلى هذا قوله تعالى : وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى [فصلت / ١٧]، وقوله تعالى :
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة / ٥٤]، فمحبّة اللّه تعالى للعبد إنعامه عليه، ومحبّة العبد له طلب الزّلفى لديه.
وقوله تعالى : إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي
[ص / ٣٢]، فمعناه : أحببت الخيل حبّي للخير، وقوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ
[البقرة / ٢٢٢]، أي : يثيبهم وينعم عليهم، وقال : لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة / ٢٧٦]، وقوله تعالى :
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ [الحديد / ٢٣]، تنبيها أنه بارتكاب الآثام يصير بحيث لا يتوب لتماديه في ذلك، وإذا لم يتب لم يحبّه اللّه المحبّة التي وعد بها التوابين والمتطهرين.
وحَبَّبَ اللّه إليّ كذا، قال اللّه تعالى : وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ [الحجرات / ٧]، وأحبّ البعير : إذا حرن ولزم مكانه، كأنه أحبّ المكان الذي وقف فيه، وحبابك أن تفعل كذا «١»، أي :
غاية محبّتك ذلك.
حبر
الحِبْرُ : الأثر المستحسن، ومنه ما روي :
«يخرج من النّار رجل قد ذهب حبره وسبره» «٢» أي : جماله وبهاؤه، ومنه سمّي الحبر، وشاعر مُحَبِّر، وشعر مُحَبَّر، وثوب حَبِير : محسّن، ومنه : أرض مِحْبَار «٣»، والحبير من السحاب، وحَبِرَ «٤» فلان :
بقي بجلده أثر من قرح، والحَبْر : العالم وجمعه : أَحْبَار، لما يبقى من أثر علومهم في قلوب الناس، ومن آثار أفعالهم الحسنة المقتدى بها، قال تعالى : اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة / ٣١]، وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين رضي اللّه عنه بقوله :
(العلماء باقون ما بقي الدّهر، أعيانهم مفقودة، وآثارهم في القلوب موجودة) «٥». وقوله

_
(١) انظر : مجمل اللغة ١ / ٢٢٠.
(٢) الحديث أخرجه أبو عبيد في غريبه ١ / ٨٥، والفائق ١ / ٢٢٩، والنهاية ١ / ٣٢٧.
(٣) أي : سريعة النبات.
(٤) انظر : المجمل ١ / ٢٦١، والأفعال ١ / ٣٩٥.
(٥) راجع : جامع بيان العلم وفضله ١ / ٥٧، ونهج البلاغة ص ٦٩٢.


الصفحة التالية
Icon