المفردات في غريب القرآن، ص : ٢٢٥
ينتفع به الانتفاع الدنيوي المذكور في قوله عزّ وجل : بَنِينَ وَحَفَدَةً [النحل / ٧٢]، بل جعله مخلصا للعبادة، ولهذا قال الشعبي : معناه مخلصا، وقال مجاهد : خادما للبيعة «١»، وقال جعفر : معتقا من أمر الدنيا، وكلّ ذلك إشارة إلى معنى واحد، وحَرَّرْتُ القوم : أطلقتهم وأعتقتهم عن أسر الحبس، وحُرُّ الوجه : ما لم تسترقّه الحاجة، وحُرُّ الدّار : وسطها، وأحرار البقل «٢» معروف، وقول الشاعر :
١٠٧ -
جادت عليه كلّ بكر حرّة
«٣» وباتت المرأة بليلة حرّة «٤»، كلّ ذلك استعارة، والحَريرُ من الثياب : ما رقّ، قال اللّه تعالى : وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ [فاطر / ٣٣].
حرب
الحَرْبُ معروف، والحَرَب : السّلب في الحرب ثم قد سمّي كل سلب حربا، قال :
والحرب فيه الحرائب، وقال :
والحرب مشتقة المعنى من الحرب
«٥» وقد حُرِبَ فهو حَرِيب، أي : سليب، والتّحريب : إثارة الحرب، ورجل مِحْرَب، كأنه آلة في الحرب، والحَرْبَة : آلة للحرب معروفة، وأصله الفعلة من الحرب أو من الحراب، ومِحرابُ المسجد قيل : سمّي بذلك لأنه موضع محاربة الشيطان والهوى، وقيل : سمّي بذلك لكون حقّ الإنسان فيه أن يكون حريبا من أشغال الدنيا ومن توزّع الخواطر، وقيل : الأصل فيه أنّ محراب البيت صدر المجلس، ثم اتّخذت المساجد فسمّي صدره به، وقيل : بل المحراب أصله في المسجد، وهو اسم خصّ به صدر المجلس، فسمّي صدر البيت محرابا تشبيها بمحراب المسجد، وكأنّ هذا أصح، قال عزّ وجل :
يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ
[سبأ / ١٣].
والحِرْبَاء : دويبة تتلقى الشمس كأنها تحاربها، والحِرْبَاء : مسمار، تشبيها بالحرباء التي هي دويبة في الهيئة، كقولهم في مثلها : ضبّة وكلب، تشبيها بالضبّ والكلب.
(١) أخرجه عن مجاهد ابن جرير وابن أبي حاتم وعبد بن حميد. راجع : الدر المنثور ٢ / ١٨٢.
(٢) قال ابن فارس : وحرّ البقل : ما يؤكل غير مطبوخ. انظر : المجمل ١ / ٢١١.
(٣) الشطر لعنترة من معلقته، وتمامه :
فتركن كل قرارة كالدرهم
ويروى : كل عين ثرّة وهو في ديوانه ص ١٨، وشرح المعلقات ٢ / ١٦، واللسان (حرّ)، والمجمل ١ / ١٥٥.
(٤) يقال هذا إذا لم يصل إليها بعلها في أول ليلة، فإن تمكّن منها فهي بليلة شيباء. انظر : المجمل ١ / ٢١١.
(٥) الشطر في عمدة الحفاظ : حرب، دون نسبة. عجز بيت لأبي تمام في ديوانه ص ٢٠، وصدره :
[لمّا رأى الحرب رأي العين توفلس ]
وهو في الموازنة للآمدي ص ٦٣، وتوفلس قائد الروم.