المفردات في غريب القرآن، ص : ٢٣٩
لا يأتي النساء، إمّا من العنّة، وإمّا من العفّة والاجتهاد في إزالة الشهوة. والثاني أظهر في الآية، لأنّ بذلك تستحق المحمدة، والحصر والإحصارُ : المنع من طريق البيت، فالإحصار يقال في المنع الظاهر كالعدوّ، والمنع الباطن كالمرض، والحصر لا يقال إلا في المنع الباطن، فقوله تعالى : فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ [البقرة / ١٩٦]، فمحمول على الأمرين، وكذلك قوله :
لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة / ٢٧٣]، وقوله عزّ وجل : أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ [النساء / ٩٠]، أي :
ضاقت «١» بالبخل والجبن، وعبّر عنه بذلك كما عبّر عنه بضيق الصدر، وعن ضده بالبر والسعة.
حصن
الحصن جمعه حصون، قال اللّه تعالى :
مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ [الحشر / ٢]، وقوله عزّ وجل : لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ
[الحشر / ١٤]، أي : مجعولة بالإحكام كالحصون، وتَحَصَّنَ : إذا اتخذ الحصن مسكنا، ثم يتجوّز به في كلّ تحرّز، ومنه : درع حصينة، لكونها حصنا للبدن وفرس حِصَان : لكونه حصنا لراكبه، وبهذا النظر قال الشاعر :
١١٥ -
أنّ الحصون الخيل لا مدر القرى
«٢» وقوله تعالى : إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ [يوسف / ٤٨]، أي : تحرزون في المواضع الحصينة الجارية مجرى الحصن، وامرأة حَصان وحَاصِن، وجمع الحصان : حُصُن، وجمع الحاصن حَوَاصِن، ويقال : حصان للعفيفة، ولذات حرمة، وقال تعالى : وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها [التحريم / ١٢].
وأَحْصَنَتْ وحَصَنَتْ، قال اللّه تعالى : فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ [النساء / ٢٥]، أي :
تزوّجن، أحصنّ : زوجنّ، والحصان في الجملة : المُحْصَنَة، إما بعفّتها، أو تزوّجها، أو بمانع من شرفها وحريتها.
ويقال : امرأة مُحْصَن ومُحْصِن، فالمُحْصِن يقال : إذا تصوّر حصنها من نفسها، والمُحْصَن يقال إذا تصوّر حصنها من غيرها، وقوله عزّ وجل : وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ
[النساء / ٢٥]، وبعده : فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ [النساء / ٢٥]، ولهذا قيل : المحصنات : المزوّجات، تصوّرا أنّ

_
(١) انظر : الدر المنثور ٢ / ٦١٣، وتفسير غريب القرآن ص ١٣٤.
(٢) هذا عجز بيت للأسعر الجعفي، شاعر جاهلي، وصدره :
ولقد علمت على تجشمي الردى
وهو في الأصمعيات ص ١٤١، والبصائر ٢ / ٤٧٢، والحيوان ١ / ٣٤٦.


الصفحة التالية
Icon