المفردات في غريب القرآن، ص : ٢٧٥
والطّابع. والثاني : الأثر الحاصل عن النّقش، ويتجوّز بذلك تارة في الاستيثاق من الشيء، والمنع منه اعتبارا بما يحصل من المنع بالختم على الكتب والأبواب، نحو : خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ [البقرة / ٧]، وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ [الجاثية / ٢٣]، وتارة في تحصيل أثر عن شيء اعتبارا بالنقش الحاصل، وتارة يعتبر منه بلوغ الآخر، ومنه قيل : ختمت القرآن، أي :
انتهيت إلى آخره، فقوله : خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ [البقرة / ٧]، وقوله تعالى : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ [الأنعام / ٤٦]، إشارة إلى ما أجرى اللّه به العادة أنّ الإنسان إذا تناهى في اعتقاد باطل، أو ارتكاب محظور - ولا يكون منه تلفّت بوجه إلى الحقّ - يورثه ذلك هيئة تمرّنه على استحسان المعاصي، وكأنما يختم بذلك على قلبه، وعلى ذلك : أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ [النحل / ١٠٨]، وعلى هذا النّحو استعارة الإغفال في قوله عزّ وجلّ : وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا [الكهف / ٢٨]، واستعارة الكنّ في قوله تعالى : وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ [الأنعام / ٢٥]، واستعارة القساوة في قوله تعالى : وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً [المائدة / ١٣]، قال الجبّائيّ «١» : يجعل اللّه ختما على قلوب الكفّار، ليكون دلالة للملائكة على كفرهم فلا يدعون لهم «٢»، وليس ذلك بشيء فإنّ هذه الكتابة إن كانت محسوسة فمن حقّها أن يدركها أصحاب التّشريح، وإن كانت معقولة غير محسوسة فالملائكة باطّلاعهم على اعتقاداتهم مستغنية عن الاستدلال. وقال بعضهم : ختمه شهادته تعالى عليه أنه لا يؤمن، وقوله تعالى :
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ [يس / ٦٥]، أي : نمنعهم من الكلام، وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ
[الأحزاب / ٤٠]، لأنه خَتَمَ النّبوّة، أي : تمّمها بمجيئه. وقوله عزّ وجلّ : خِتامُهُ مِسْكٌ
[المطففين / ٢٦]، قيل : ما يختم به، أي :
يطبع، وإنما معناه : منقطعه وخاتمة شربه، أي :
سؤره في الطيّب مسك، وقول من قال يختم بالمسك «٣» أي : يطبع، فليس بشيء، لأنّ الشّراب يجب أن يطيّب في نفسه، فأمّا ختمه بالطّيب فليس ممّا يفيده، ولا ينفعه طيب خاتمه ما لم يطب في نفسه.
خد
قال اللّه تعالى : قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ
[البروج / ٤]. الخَدُّ والأخدود : شقّ في الأرض
(١) أبو علي الجبّائي، شيخ المعتزلة في زمانه توفي سنة ٣٠٣ ه. انظر : ترجمته في طبقات المفسرين ٢ / ١٩١.
(٢) وهذا أيضا قول القاضي عبد الجبار من المعتزلة، وقول الحسن البصري. انظر الرازي ٢ / ٥١.
(٣) وهذا قول قتادة أخرجه عنه عبد الرزاق قال : عاقبته مسك، قوم يمزج لهم بالكافور، ويختم لهم بالمسك. راجع :
الدر المنثور ٨ / ٤٥١.