المفردات في غريب القرآن، ص : ٢٧٦
مستطيل غائص، وجمع الأخدود أَخَادِيد، وأصل ذلك من خَدَّيِ الإنسان، وهما : ما اكتنفا الأنف عن اليمين والشمال. والخَدّ يستعار للأرض، ولغيرها كاستعارة الوجه، وتَخَدُّدُ اللّحمِ : زواله عن وجه الجسم، يقال : خَدَّدْتُهُ فَتَخَدَّدَ.
خدع
الخِدَاع : إنزال الغير عمّا هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه، قال تعالى :
يُخادِعُونَ اللَّهَ
[البقرة / ٩]، أي : يخادعون رسوله وأولياءه، ونسب ذلك إلى اللّه تعالى من حيث إنّ معاملة الرّسول كمعاملته، ولذلك قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ [الفتح / ١٠]، وجعل ذلك خداعا تفظيعا لفعلهم، وتنبيها على عظم الرّسول وعظم أوليائه. وقول أهل اللّغة : إنّ هذا على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، فيجب أن يعلم أنّ المقصود بمثله في الحذف لا يحصل لو أتي بالمضاف المحذوف لما ذكرنا من التّنبيه على أمرين : أحدهما : فظاعة فعلهم فيما تحرّوه من الخديعة، وأنّهم بمخادعتهم إيّاه يخادعون اللّه، والثاني : التّنبيه على عظم المقصود بالخداع، وأنّ معاملته كمعاملة اللّه، كما نبّه عليه بقوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ... الآية [الفتح / ١٠]، وقوله تعالى :
وَهُوَ خادِعُهُمْ
[النساء / ١٤٢]، قيل معناه :
مجازيهم بالخداع، وقيل : على وجه آخر مذكور في قوله تعالى : وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ [آل عمران / ٥٤] «١»، وقيل : خَدَعَ الضَّبُّ أي :
استتر في جحره، واستعمال ذلك في الضّبّ أنه يعدّ عقربا تلدغ من يدخل يديه في جحره، حتى قيل : العقرب بوّاب الضّبّ وحاجبه «٢»، ولاعتقاد الخديعة فيه قيل : أَخْدَعُ من ضبّ «٣»، وطريق خَادِع وخَيْدَع : مضلّ، كأنه يخدع سالكه. والمَخْدَع :
بيت في بيت، كأنّ بانيه جعله خادعا لمن رام تناول ما فيه، وخَدَعَ الريق : إذا قلّ «٤»، متصوّرا منه هذا المعنى، والأَخْدَعَان «٥» تصوّر منهما الخداع لاستتارهما تارة، وظهورهما تارة، يقال :
خَدَعْتُهُ : قطعت أَخْدَعَهُ، وفي الحديث :«بين يدي السّاعة سنون خَدَّاعَة» «٦» أي : محتالة لتلوّنها بالجدب مرّة، وبالخصب مرّة.
(١) أي : هذا من باب المشاكلة في اللفظ.
(٢) انظر : البصائر ٢ / ٥٣٠، وعمدة الحفاظ : خدع.
(٣) انظر الأمثال ص ٣٦٤.
(٤) انظر : المجمل ٢ / ٢٧٩.
(٥) هما عرقان خفيان في موضع الحجامة من العنق.
(٦) الحديث عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم :«قبل الساعة سنون خداعة يكذّب فيها الصادق، ويصدّق فيها الكاذب، ويخوّن فيها الأمين، ويؤتمن الخائن، وينطق بها الرويبضة» ويروى عن أنس عن النبي :«وإنّ أمام الدجال سنين خداعة».. إلخ. قال ابن كثير : هذا إسناد قوي جيد. انظر : مسند أحمد ٢ / ٣٣٨، والفتن والملاحم لابن كثير ١ / ٥٧، والدر المنثور ٧ / ٤٧٥.