المفردات في غريب القرآن، ص : ٢٨٠
غير تدبّر ولا تفكّر، قال تعالى : أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها
[الكهف / ٧١]، وهو ضدّ الخلق، فإنّ الخلق هو فعل الشيء بتقدير ورفق، والخرق بغير تقدير، قال تعالى : وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام / ١٠٠]، أي : حكموا بذلك على سبيل الخرق، وباعتبار القطع قيل : خَرَقَ الثوبَ، وخَرَّقَه، وخَرَقَ المفاوز، واخْتَرَقَ الرّيح. وخصّ الخَرْق والخريق بالمفاوز الواسعة، إمّا لاختراق الريح فيها، وإمّا لتخرّقها في الفلاة، وخصّ الخرق بمن ينخرق في السخاء «١». وقيل لثقب الأذن إذا توسّع : خرق، وصبيّ أَخْرَقُ، وامرأة خَرْقَاء : مثقوبة الأذن ثقبا واسعا، وقوله تعالى : إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ
[الإسراء / ٣٧]، فيه قولان :
أحدهما : لن تقطع، والآخر : لن تثقب الأرض إلى الجانب الآخر، اعتبارا بالخرق في الأذن، وباعتبار ترك التقدير قيل : رجل أَخْرَقُ، وخَرِقُ، وامرأة خَرْقَاء، وشبّه بها الريح في تعسّف مرورها فقيل : ريح خرقاء. وروي :«ما دخل الخرق في شيء إلّا شانه» «٢». ومن الخرق استعيرت المَخْرَقَة، وهو إظهار الخرق توصّلا إلى حيلة، والمِخْرَاق : شيء يلعب به، كأنّه يخرق لإظهار الشيء بخلافه، وخَرِقَ الغزال «٣» : إذا لم يحسن أن يعدو لخرقه.
خزن
الخَزْنُ : حفظ الشيء في الخِزَانَة، ثمّ يعبّر به عن كلّ حفظ كحفظ السّرّ ونحوه، وقوله تعالى : وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ [الحجر / ٢١]، وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
[المنافقون / ٧]، فإشارة منه إلى قدرته تعالى على ما يريد إيجاده، أو إلى الحالة التي أشار إليها بقوله عليه السلام :«فرغ ربّكم من الخلق والخلق والرّزق والأجل» «٤»، وقوله تعالى : فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ
[الحجر / ٢٢]، قيل معناه : حافظين له بالشّكر، وقيل : هو إشارة إلى ما أنبأ عنه قوله :
أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ...
(١) في اللسان : والخرق بالكسر : الكريم المتخرّق في الكرم، وفي المجمل : الخرق : السخيّ يتخرّق في السخاء.
(٢) الحديث رواه العسكري من حديث عبد الرزاق عن أنس مرفوعا :«ما كان الرفق في شيء قطّ إلا زانه، ولا كان الخرق في شيء قط إلا شانه»، وأخرجه مسلم بلفظ :«إنّ الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه».
راجع : المقاصد الحسنة ص ١١٤، وصحيح مسلم في البر والصلة رقم ٢٥٩٤.
(٣) انظر : المجمل ٢ / ٢٨٥، والأفعال ١ / ٤٩٠.
(٤) الحديث عن عبد اللّه بن مسعود عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال :«فرغ إلى ابن آدم من أربع : الخلق والخلق والأجل والرزق» أخرجه الطبراني في الأوسط ٢ / ٣٣٦، وهو في مجمع الزوائد ٧ / ١٩٥ كتاب القدر، والفتح الكبير ٢ / ٢٦٦. وفيه عيسى بن المسيب البجلي، وهو ضعيف عند الجمهور، ووثقه الحاكم والدارقطني في سننه، وضعفه في غيرها.
وللحديث طرق أخرى وروايات أخرى عند الطبراني وأحمد وابن عساكر، وانظر : مسند أحمد ٢ / ١٦٧.