المفردات في غريب القرآن، ص : ٣١٩
«١»، وتارة عن الأرذل فيقابل بالخير، نحو : أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ [البقرة / ٦١]، وعن الأوّل فيقابل بالآخر، نحو : خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ
[الحج / ١١]، وقوله : وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [النحل / ١٢٢]، وتارة عن الأقرب، فيقابل بالأقصى نحو : إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى
[الأنفال / ٤٢]، وجمع الدّنيا الدّني، نحو الكبرى والكبر، والصّغرى والصّغر. وقوله تعالى : ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ
[المائدة / ١٠٨]، أي : أقرب لنفوسهم أن تتحرّى العدالة في إقامة الشهادة، وعلى ذلك قوله تعالى : ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ [الأحزاب / ٥١]، وقوله تعالى : لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ [البقرة / ٢٢٠]، متناول للأحوال التي في النشأة الأولى، وما يكون في النشأة الآخرة، ويقال : دَانَيْتُ بين الأمرين، وأَدْنَيْتُ أحدهما من الآخر. قال تعالى : يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ
[الأحزاب / ٥٩]، وأَدْنَتِ الفرسُ : دنا نتاجها.
وخصّ الدّنيء بالحقير القدر، ويقابل به السّيّئ، يقال : دنيء بيّن الدّناءة. وما روي «إذا أكلتم فدنّوا» «٢» من الدّون، أي : كلوا ممّا يليكم.
دهر
الدّهر في الأصل : اسم لمدّة العالم من مبدأ وجوده إلى انقضائه، وعلى ذلك قوله تعالى :
هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ [الدهر / ١]، ثمّ يعبّر به عن كلّ مدّة كثيرة، وهو خلاف الزمان، فإنّ الزّمان يقع على المدّة القليلة والكثيرة، ودَهْرُ فلان : مدّة حياته، واستعير للعادة الباقية مدّة الحياة، فقيل : ما دهري بكذا، ويقال : دَهَرَ فلانا نائبة دَهْراً، أي : نزلت به، حكاه (الخليل) «٣»، فالدّهر هاهنا مصدر، وقيل :
دَهْدَرَهُ دَهْدَرَةً، ودَهْرٌ دَاهِرٌ ودَهِيرٌ. وقوله عليه الصلاة والسلام :«لا تسبّوا الدّهر فإنّ اللّه هو الدّهر» «٤» قد قيل معناه : إنّ اللّه فاعل ما يضاف إلى الدّهر من الخير والشّرّ والمسرّة والمساءة، فإذا سببتم الذي تعتقدون أنه فاعل ذلك فقد سببتموه تعالى عن ذلك «٥». وقال بعضهم «٦» : الدّهر
(١) سورة المجادلة : آية ٧. وقرأ الحسن (و لا أكبر) وهي قراءة شاذة، وهي محل الاستشهاد.
(٢) في النهاية :«سمّوا اللّه ودنّوا، وسمّتوا»، وكذا في غريب الحديث لابن قتيبة ٣ / ٧٤٥.
أي : إذا بدأتم بالأكل كلوا مما بين أيديكم، وسمّتوا، أي : ادعوا للمطعم بالبركة. النهاية ٢ / ١٣٧.
(٣) انظر : العين ٤ / ٢٣، وفي عبارة المؤلف بعض التصرف. [.....]
(٤) الحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة، وأحمد في المسند ٥ / ٣٩٩ والبخاري. فتح الباري ٨ / ٥٧٤.
(٥) وهذا قول أبي عبيد في غريب الحديث ٢ / ٤٧.
(٦) هو محمد بن داود الظاهري. انظر فتح الباري ٨ / ٥٧٤.