المفردات في غريب القرآن، ص : ٣٣٣
من أجل أنه أريد به التّجربة والاختبار، أي :
فجعلها بحيث تمارس الجوع والخوف، وقيل :
إنّ ذلك على تقدير كلامين، كأنه قيل : أذاقها طعم الجوع والخوف، وألبسها لباسهما. وقوله :
وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً
[الشورى / ٤٨]، فإنه استعمل في الرّحمة الإذاقة، وفي مقابلتها الإصابة، فقال : وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ [الشورى / ٤٨]، تنبيها على أنّ الإنسان بأدنى ما يعطى من النّعمة يأشر ويبطر، إشارة إلى قوله :
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى [العلق / ٦ - ٧].
ذو
ذو على وجهين : أحدهما : يتوصّل به إلى الوصف بأسماء الأجناس والأنواع، ويضاف إلى الظاهر دون المضمر، ويثنّى ويجمع، ويقال في المؤنّث : ذات، وفي التثنية : ذواتا، وفي الجمع : ذوات، ولا يستعمل شيء منها إلّا مضافا، قال : وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ [البقرة / ٢٥١]، وقال : ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى [النجم / ٦]، وَذِي الْقُرْبى [البقرة / ٨٣]، وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ [هود / ٣]، ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى [البقرة / ١٧٧]، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ
[الأنفال / ٤٣]، وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ [الكهف / ١٨]، وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ [الأنفال / ٧]، وقال : ذَواتا أَفْنانٍ [الرحمن / ٤٨]، وقد استعار أصحاب المعاني الذّات، فجعلوها عبارة عن عين الشيء، جوهرا كان أو عرضا، واستعملوها مفردة ومضافة إلى المضمر بالألف واللام، وأجروها مجرى النّفس والخاصّة، فقالوا : ذاته، ونفسه وخاصّته، وليس ذلك من كلام العرب «١». والثاني في لفظ ذو :
لغة لطيّئ، يستعملونه استعمال الذي، ويجعل في الرفع، والنصب والجرّ، والجمع، والتأنيث على لفظ واحد «٢»، نحو :
١٧١ -
وبئري ذو حفرت وذو طويت
«٣»

_
(١) انظر ما كتبناه في ذلك في تحقيقنا كتاب (وضح البرهان في مشكلات القرآن) للنيسابوري عند قوله تعالى : حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ سورة يس : آية ٣٩. [.....]
(٢) وفي ذلك قال ابن مالك في ألفيته :
ومن وما وأل تساوي ما ذكر وهكذا (ذو) عند طيئ شهر
(٣) هذا عجز بيت، وشطره :
فإنّ الماء ماء أبي وجدّي
وهو لسنان بن فحل الطائي.
والبيت في الفرائد الجديدة للسيوطي ١ / ١٨٤، وشفاء العليل في إيضاح التسهيل ١ / ٢٢٧، وشرح المفصل ٣ / ١٤٧، والأمالي الشجرية ٢ / ٣٠٦.


الصفحة التالية
Icon