المفردات في غريب القرآن، ص : ٣٤٩
الحياة المشار إليها بقوله : وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى [طه / ٥٥]، فذلك نظر إلى حالتين كلتاهما داخلة في عموم اللفظ. وقوله تعالى :
فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ
[إبراهيم / ٩]، قيل : عضّوا الأنامل غيظا، وقيل : أومأوا إلى السّكوت وأشاروا باليد إلى الفم، وقيل : ردّوا أيديهم في أفواه الأنبياء فأسكتوهم، واستعمال الرّدّ في ذلك تنبيها أنهم فعلوا ذلك مرّة بعد أخرى. وقوله تعالى : لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً
[البقرة / ١٠٩]، أي :
يرجعونكم إلى حال الكفر بعد أن فارقتموه، وعلى ذلك قوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ [آل عمران / ١٠٠]، والارْتِدَادُ والرِّدَّةُ : الرّجوع في الطّريق الذي جاء منه، لكن الرّدّة تختصّ بالكفر، والارتداد يستعمل فيه وفي غيره، قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ
[محمد / ٢٥]، وقال :
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
[المائدة / ٥٤]، وهو الرّجوع من الإسلام إلى الكفر، وكذلك : وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ
[البقرة / ٢١٧]، وقال عزّ وجلّ : فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً
[الكهف / ٦٤]، إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى
[محمد / ٢٥]، وقال تعالى : وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا
[الأنعام / ٧١]، وقوله تعالى : وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ [المائدة / ٢١]، أي : إذا تحقّقتم أمرا وعرفتم خيرا فلا ترجعوا عنه. وقوله عزّ وجلّ :
فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً
[يوسف / ٩٦]، أي : عاد إليه البصر، ويقال : رَدَدْتُ الحكم في كذا إلى فلان : فوّضته إليه، قال تعالى : وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ
[النساء / ٨٣]، وقال : فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء / ٥٩]، ويقال : رَادَّهُ في كلامه. وقيل في الخبر :«البيّعان يَتَرَادَّانِ» «١» أي : يردّ كلّ واحد منهما ما أخذ، ورَدَّةُ الإبل : أن تَتَرَدَّدَ إلى الماء، وقد أَرَدَّتِ النّاقة «٢»، واسْتَرَدَّ المتاع : استرجعه.
ردف
الرِّدْفُ : التابع، ورِدْفُ المرأة : عجيزتها، والتَّرَادُفُ : التتابع، والرَّادِفُ : المتأخّر، والمُرْدِفُ : المتقدّم الذي أَرْدَفَ غيره، قال تعالى : فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ

_
(١) أخرجه مالك في المدونة بلاغا ٤ / ١٨٨، وأحمد ١ / ٤٦٦، وابن الجارود في المنتقى ص ١٥٩. [.....]
(٢) قال في اللسان : الرّدّة : أن تشرب الإبل الماء عللا فترتدّ الألبان في ضروعها. وأردّت الناقة : ورمت أرفاغها وحياؤها من شرب الماء.


الصفحة التالية
Icon