المفردات في غريب القرآن، ص : ٤٠١
١٠٢]، والثالث : ما يذهب إليه الأغتام «١»، وهو اسم لفعل يزعمون أنه من قوّته يغيّر الصّور والطّبائع، فيجعل الإنسان حمارا، ولا حقيقة لذلك عند المحصّلين. وقد تصوّر من السّحر تارة حسنه، فقيل :«إنّ من البيان لسحرا» «٢»، وتارة دقّة فعله حتى قالت الأطباء : الطّبيعية ساحرة، وسمّوا الغذاء سِحْراً من حيث إنه يدقّ ويلطف تأثيره، قال تعالى : بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ
[الحجر / ١٥]، أي : مصروفون عن معرفتنا بالسّحر. وعلى ذلك قوله تعالى : إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ
[الشعراء / ١٥٣]، قيل : ممّن جعل له سحر تنبيها أنه محتاج إلى الغذاء، كقوله تعالى : ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ [الفرقان / ٧]، ونبّه أنه بشر كما قال : ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا [الشعراء / ١٥٤]، وقيل : معناه ممّن جعل له سحر يتوصّل بلطفه ودقّته إلى ما يأتي به ويدّعيه، وعلى الوجهين حمل قوله تعالى : إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً [الإسراء / ٤٧]، وقال تعالى : فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً [الإسراء / ١٠١]، وعلى المعنى الثاني دلّ قوله تعالى :
إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [سبأ / ٤٣]، قال تعالى : وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف / ١١٦]، وقال : أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ
[يونس / ٧٧]، وقال : فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ
[الشعراء / ٣٨]، فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ [طه / ٧٠]، والسَّحَرُ والسَّحَرَةُ : اختلاط ظلام آخر الليل بضياء النهار، وجعل اسما لذلك الوقت، ويقال : لقيته بأعلى السّحرين، والْمُسْحِرُ : الخارج سحرا، والسَّحُورُ : اسم للطعام المأكول سحرا، والتَّسَحُّرُ : أكله.
سحق
السَّحْقُ : تفتيت الشيء، ويستعمل في الدّواء إذا فتّت، يقال : سَحَقْتُهُ فَانْسَحَقَ، وفي الثوب إذا أخلق، يقال : أَسْحَقَ، والسُّحْقُ : الثوب البالي، ومنه قيل : أَسْحَقَ الضّرعُ، أي : صار سَحْقاً لذهاب لبنه، ويصحّ أن يُجعل إِسْحَاقُ منه، فيكون حينئذ منصرفا «٣»، وقيل : أبعده اللّه وأَسْحَقَهُ، أي : جعله سَحِيقاً، وقيل : سَحَقَهُ، أي جعله باليا، قال تعالى : فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ
[الملك / ١١]، وقال تعالى : أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ
[الحج / ٣١]، ودم مُنْسَحِقٌ، وسَحُوقٌ مستعار، كقولهم : مدرور.
(١) الغتمة : عجمة في المنطق، ورجل أغتم : لا يفصح شيئا، وقيل للثقيل الروح : غتمي.
(٢) الحديث عن عبد اللّه بن عمر أنه قال : قدم رجلان من المشرق، فخطبا، فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم :«إنّ من البيان لسحرا، أو إنّ بعض البيان لسحر». أخرجه مالك في باب ما يكره من الكلام، شرح الزرقاني ٤ / ٤٠٣، والبخاري في الطب ١٠ / ٢٣٧.
(٣) قال السمين : وهو مردود بمنعه من الصرف. عمدة الحفاظ : سحق.