المفردات في غريب القرآن، ص : ٤٤٤
والثاني يرجع إلى جملة الكلام المركّب، وذلك ثلاثة أضرب :
ضرب لاختصار الكلام نحو : وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ [النساء / ٣].
وضرب لبسط الكلام نحو : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى / ١١]، لأنه لو قيل : ليس مثله شيء كان أظهر للسامع.
وضرب لنظم الكلام نحو : أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً [الكهف / ١ - ٢]، تقديره : الكتاب قيّما ولم يجعل له عوجا، وقوله : وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ إلى قوله : لَوْ تَزَيَّلُوا «١». والمتشابه من جهة المعنى : أوصاف اللّه تعالى، وأوصاف يوم القيامة، فإنّ تلك الصّفات لا تتصوّر لنا إذ كان لا يحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسّه، أو لم يكن من جنس ما نحسّه. والمتشابه من جهة المعنى واللّفظ جميعا خمسة أضرب :
الأوّل : من جهة الكمّيّة كالعموم والخصوص نحو : فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التوبة / ٥].
والثاني : من جهة الكيفيّة كالوجوب والنّدب، نحو :
فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ [النساء / ٣]. والثالث : من جهة الزّمان كالنّاسخ والمنسوخ، نحو : اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمران / ١٠٢].
والرّابع : من جهة المكان والأمور الّتي نزلت فيها، نحو : وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها [البقرة / ١٨٩]، وقوله : إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ [التوبة / ٣٧]، فإنّ من لا يعرف عادتهم في الجاهليّة يتعذّر عليه معرفة تفسير هذه الآية.
والخامس : من جهة الشّروط التي بها يصحّ الفعل، أو يفسد كشروط الصلاة والنكاح. وهذه الجملة إذا تصوّرت علم أنّ كلّ ما ذكره المفسّرون في تفسير المتشابه لا يخرج عن هذه التقاسيم، نحو قول من قال : المتشابه الم [البقرة / ١]، وقول قتادة : المحكم : النّاسخ، والْمُتَشَابِهُ : المنسوخ «٢»، وقول الأصمّ «٣» :
المحكم : ما أجمع على تأويله، والْمُتَشَابِهُ : ما اختلف فيه. ثمّ جميع المتشابه على ثلاثة أضرب : ضرب لا سبيل للوقوف عليه، كوقت السّاعة، وخروج دابّة الأرض، وكيفيّة الدّابّة ونحو ذلك. وضرب للإنسان سبيل إلى معرفته، كالألفاظ الغريبة والأحكام الغلقة. وضرب متردّد بين الأمرين يجوز أن يختصّ بمعرفة حقيقته

_
(١) الآية : وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ، لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً سورة الفتح : آية ٢٥.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢ / ٤٨.
(٣) عبد الرحمن بن كيسان، أبو بكر الأصم المعتزلي، له تفسير عجيب، ينقل عنه الرازي. انظر لسان الميزان ٣ / ٤٢٧.


الصفحة التالية
Icon