المفردات في غريب القرآن، ص : ٤٤٥
بعض الرّاسخين في العلم، ويخفى على من دونهم، وهو الضّرب المشار إليه بقوله عليه السلام في عليّ رضي اللّه عنه :«اللّهمّ فقّهه في الدّين وعلّمه التّأويل» «١»، وقوله لابن عبّاس مثل ذلك «٢». وإذ عرفت هذه الجملة علم أنّ الوقف على قوله : وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران / ٧]، ووصله بقوله : وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران / ٧] جائز، وأنّ لكلّ واحد منهما وجها حسبما دلّ عليه التّفصيل المتقدّم «٣». وقوله : اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً [الزمر / ٢٣]، فإنّه يعني ما يشبه بعضه بعضا في الأحكام، والحكمة واستقامة النّظم. وقوله : وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ
«٤» أي : مثّل لهم من حسبوه إيّاه، والشَّبَهُ من الجواهر : ما يشبه لونه لون الذّهب.
شتت
الشَّتُّ : تفريق الشّعب، يقال : شَتَّ جمعهم شَتّاً وشَتَاتاً، وجاؤوا أَشْتَاتاً، أي : متفرّقي النّظام، قال : يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً [الزلزلة / ٦]، وقال : مِنْ نَباتٍ شَتَّى
[طه / ٥٣]، أي : مختلفة الأنواع، وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر / ١٤]، أي : هم بخلاف من وصفهم بقوله : وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [الأنفال / ٦٣].
و(شَتَّانَ) : اسم فعل، نحو : وشكان، يقال :
شتّان ما هما، وشتّان ما بينهما : إذا أخبرت عن ارتفاع الالتئام بينهما.
شتا
قال عزّ وجل : رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ
[قريش / ٢]، يقال : شَتَّى وأَشْتَى، وصاف وأصاف، والْمَشْتَى والْمَشْتَاةَ للوقت، والموضع، والمصدر، قال الشاعر :
٢٥٩ -
نحن في المشتاة ندعو الجفلى
«٥»

_
(١) لم أجده، لكن جاء عن عليّ رضي اللّه عنه قال : بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إلى اليمن لأقضي بينهم، فقلت : يا رسول اللّه لا علم لي بالقضاء، فضرب بيده على صدري، وقال :«اللهم اهد قلبه، وسدد لسانه». أخرجه النسائي في تهذيب خصائص عليّ بن أبي طالب ص ٤٣، وهو ضعيف.
(٢) الحديث عن ابن عباس أنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلم دخل الخلاء، فوضعت له وضوءا، قال :«من وضع هذا»؟ فأخبر فقال :
«اللهم فقهه في الدين». أخرجه البخاري في باب وضع الماء عند الخلاء ١ / ٢٢٤.
وقال ابن حجر : وهذه اللفظة اشتهرت على الألسنة :«اللهم فقهه في الدين، وعلّمه التأويل» حتى نسبها بعضهم للصحيحين ولم يصب، والحديث عند أحمد بهذا اللفظ، وعند الطبراني من وجهين آخرين. انظر فتح الباري ٧ / ١٠٠ فضائل ابن عباس، ومسند أحمد ١ / ٢٦٦، ومجمع الزوائد ٩ / ٢٧٩.
(٣) ما بين [] نقله السيوطي بطوله في الإتقان ٢ / ٦.
(٤) سورة النساء : آية ١٥٧. وقد نقل أكثر هذا الباب الفيروزآبادي حرفيا في البصائر ٣ / ٢٩٤ - ٢٩٧.
(٥) هذا شطر بيت لطرفة، وعجزه :
لا ترى الآدب فينا ينتقر
وهو في ديوانه ص ٥٥، واللسان (جفل). والجفلى : أن تدعو الناس إلى طعامك عامة، والنقرى : أن تدعو الخاصة.


الصفحة التالية
Icon