المفردات في غريب القرآن، ص : ٤٥٢
واشْتَرَكُوا، وأَشْرَكْتُهُ في كذا. قال تعالى :
وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي
[طه / ٣٢]، وفي الحديث :«اللّهمّ أَشْرِكْنَا في دعاء الصّالحين» «١». وروي أنّ اللّه تعالى قال لنبيّه عليه السلام :«إنّي شرّفتك وفضّلتك على جميع خلقي وأَشْرَكْتُكَ في أمري» «٢» أي : جعلتك بحيث تذكر معي، وأمرت بطاعتك مع طاعتي في نحو : أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [محمد / ٣٣]، وقال تعالى : أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ
[الزخرف / ٣٩]. وجمع الشَّرِيكِ شُرَكاءُ. قال تعالى : وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ [الإسراء / ١١١]، وقال : شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ
[الزمر / ٢٩]، أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ [الشورى / ٢١]، وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ [النحل / ٢٧].
وشِرْكُ الإنسان في الدّين ضربان :
أحدهما : الشِّرْكُ العظيم، وهو : إثبات شريك للّه تعالى. يقال : أَشْرَكَ فلان باللّه، وذلك أعظم كفر. قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ
[النساء / ٤٨]، وقال : وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً
[النساء / ١١٦]، ومَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ [المائدة / ٧٢]، يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً [الممتحنة / ١٢]، وقال : سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا
[الأنعام / ١٤٨].
والثاني : الشِّرْكُ الصّغير، وهو مراعاة غير اللّه معه في بعض الأمور، وهو الرّياء والنّفاق المشار إليه بقوله : جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
[الأعراف / ١٩٠]، وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف / ١٠٦]، وقال بعضهم : معنى قوله إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ
أي : واقعون في شرك الدّنيا، أي :
حبالتها، قال : ومن هذا ما قال عليه السلام :
«الشّرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النّمل على الصّفا» «٣» قال : ولفظ الشِّرْكِ من الألفاظ المشتركة، وقوله تعالى : فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف / ١١٠]، محمول على الشّركين، وقوله : فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ
[التوبة / ٥]، فأكثر الفقهاء يحملونه على الكفّار جميعا
(١) جاء بمعناه عند الترمذي :«اللهم ما قصر عنه رأيي، ولم تبلغه نيّتي، ولم تبلغه مسألتي من خير وعدته أحدا من خلقك، أو خير أنت معطيه أحدا من عبادك فإني أرغب إليك فيه، وأسألكه برحمتك ربّ العالمين» أخرجه في الدعاء، انظر : عارضة الأحوذي ١٢ / ٣٠٢.
(٢) لم أجده.
(٣) الحديث عن أبي موسى الأشعري قال : خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ذات يوم، فقال : يا أيها الناس، اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل، فقال له من شاء اللّه أن يقول : وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول اللّه؟ قال :
قولوا :«اللهم إنّا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلم» أخرجه أحمد والطبراني، قال المنذري :
وفيه أبو علي رجل من بني كاهل، وثقه ابن حبان، ولم أر أحدا جرحه وباقي رواته ثقات. انظر : المسند ٤ / ٤٠٣، والترغيب والترهيب ١ / ٣٩.