المفردات في غريب القرآن، ص : ٤٦٦
عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ [السجدة / ٦]، أي :
ما يغيب عن حواسّ الناس وبصائرهم وما يشهدونه بهما. وشَهِدْتُ يقال على ضربين :
أحدهما جار مجرى العلم، وبلفظه تقام الشّهادة، ويقال : أَشْهَدُ بكذا، ولا يرضى من الشّاهد أن يقول : أعلم، بل يحتاج أن يقول :
أشهد. والثاني يجري مجرى القسم، فيقول :
أشهد باللّه أنّ زيدا منطلق، فيكون قسما، ومنهم من يقول : إن قال : أشهد، ولم يقل : باللّه يكون قسما، ويجري علمت مجراه في القسم، فيجاب بجواب القسم نحو قول الشاعر :
٢٧٤ -
ولقد علمت لتأتينّ منيّتي
«١» ويقال : شَاهِدٌ وشَهِيدٌ وشُهَدَاءُ، قال تعالى :
وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ [البقرة / ٢٨٢]، قال :
وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ
[البقرة / ٢٨٢]، ويقال : شَهِدْتُ كذا، أي : حضرته، وشَهِدْتُ على كذا، قال : شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ
[فصلت / ٢٠]، وقد يعبّر بالشهادة عن الحكم نحو : وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها
[يوسف / ٢٦]، وعن الإقرار نحو : وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ [النور / ٦]، أن كان ذلك شَهَادَةٌ لنفسه. وقوله وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا [يوسف / ٨١] أي :
ما أخبرنا، وقال تعالى : شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ
[التوبة / ١٧]، أي : مقرّين. لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا [فصلت / ٢١]، وقوله :
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ [آل عمران / ١٨]، فشهادة اللّه تعالى بوحدانيّته هي إيجاد ما يدلّ على وحدانيّته في العالم، وفي نفوسنا كما قال الشاعر :
٢٧٥ -
ففي كلّ شيء له آية تدلّ على أنه واحد
«٢» قال بعض الحكماء : إنّ اللّه تعالى لمّا شهد لنفسه كان شهادته أن أنطق كلّ شيء كما نطق بالشّهادة له، وشهادة الملائكة بذلك هو إظهارهم أفعالا يؤمرون بها، وهي المدلول عليها بقوله :
فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً [النازعات / ٥]، وشهادة أولي العلم : اطّلاعهم على تلك الحكم
(١) الشطر للبيد، من معلقته، وعجزه :
إنّ المنايا لا تطيش سهامها
وهو من شواهد سيبويه ١ / ٤٦٥، ومغني اللبيب ص ٥٢٤، ويروى عجزه :
لا بعدها خوف عليّ ولا عدم
وهو بهذه الرواية لم ينسب، وانظر : خزانة الأدب ٩ / ١٥٩. [.....]
(٢) البيت لأبي العتاهية، وهو في ديوانه ص ٦٢، والزهرة ٢ / ٥٠٢، وهو في البصائر ٣ / ٣٥٢، ونظم الدرر ٤ / ٢٨٩، دون نسبة.