المفردات في غريب القرآن، ص : ٤٦٧
وإقرارهم بذلك «١»، وهذه الشّهادة تختصّ بأهل العلم، فأمّا الجهّال فمبعدون منها، ولذلك قال في الكفّار : ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ [الكهف / ٥١]، وعلى هذا نبّه بقوله : إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فاطر / ٢٨]، وهؤلاء هم المعنيّون بقوله : وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء / ٦٩]، وأمّا الشَّهِيدُ فقد يقال لِلشَّاهِدِ، والْمُشَاهِدِ للشيء، وقوله : مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ
[ق / ٢١]، أي : من شهد له وعليه، وكذا قوله : فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النساء / ٤١]، وقوله : أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ
[ق / ٣٧]، أي : يشهدون ما يسمعونه بقلوبهم على ضدّ من قيل فيهم : أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [فصلت / ٤٤]، وقوله : أَقِمِ الصَّلاةَ «٢»، إلى قوله : مَشْهُوداً
«٣» أي : يشهد صاحبه الشّفاء والرّحمة، والتّوفيق والسّكينات والأرواح المذكورة في قوله : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء / ٨٢]، وقوله : وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ [البقرة / ٢٣]، فقد فسّر بكلّ ما يقتضيه معنى الشهادة، قال ابن عباس : معناه أعوانكم «٤»، وقال مجاهد : الذين يشهدون لكم، وقال بعضهم : الذين يعتدّ بحضورهم ولم يكونوا كمن قيل فيهم شعر :
٢٧٦ -
مخلّفون ويقضي اللّه أمرهمو وهم بغيب وفي عمياء ما شعروا
«٥» وقد حمل على هذه الوجوه قوله : وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً [القصص / ٧٥]، وقوله :
وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ [العاديات / ٧]، أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت / ٥٣]، وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً [النساء / ٧٩]، فإشارة إلى قوله : لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْ ءٌ
(١) قال ابن القيم : وهذا يدل على فضل العلم وأهله من وجوه :
أحدها : استشهادهم دون غيرهم من البشر.
الثاني : اقتران شهادتهم بشهادته.
والثالث : اقترانها بشهادة الملائكة.
الرابع : أنّ في ضمن هذا تزكيتهم وتعديلهم، فإنّ اللّه لا يَسْتَشْهِدُ من خلقه إلا العدول.
راجع : مفتاح دار السعادة ١ / ٤٨.
(٢) الآية : أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ، إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً سورة الإسراء :
آية ٧٨.
(٣) الآية : أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ، إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً سورة الإسراء :
آية ٧٨.
(٤) انظر : تفسير الماوردي ١ / ٧٧، والبصائر ٣ / ٣٥٣.
(٥) البيت للأخطل في ديوانه ص ١٠٩.
وهو في البصائر ٣ / ٣٥٣ دون نسبة، وعجزه في مقدمة جامع التفاسير للمؤلف ص ١٥٥، ولم يعرفه المحقق.