المفردات في غريب القرآن، ص : ٤٩١
والتّمجيد «١»، يقال : صَلَّيْتُ عليه، أي : دعوت له وزكّيت، وقال عليه السلام :«إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، وإن كان صائما فَلْيُصَلِّ» «٢» أي : ليدع لأهله، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ
[التوبة / ١٠٣]، يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
[الأحزاب / ٥٦]، وَصَلَواتِ الرَّسُولِ
[التوبة / ٩٩]، وصَلَاةُ اللّهِ للمسلمين هو في التّحقيق : تزكيته إيّاهم. وقال : أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ
[البقرة / ١٥٧]، ومن الملائكة هي الدّعاء والاستغفار، كما هي من النّاس «٣». قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ
[الأحزاب / ٥٦]، والصَّلَاةُ التي هي العبادة المخصوصة، أصلها : الدّعاء، وسمّيت هذه العبادة بها كتسمية الشيء باسم بعض ما يتضمّنه، والصَّلَاةُ من العبادات التي لم تنفكّ شريعة منها، وإن اختلفت صورها بحسب شرع فشرع. ولذلك قال : إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً [النساء / ١٠٣]، وقال بعضهم : أصلُ الصَّلَاةِ من الصَّلَى «٤»، قال : ومعنى صَلَّى الرّجلُ، أي : أنه ذاد وأزال عن نفسه بهذه العبادة الصَّلَى الذي هو نار اللّه الموقدة. وبناء صَلَّى كبناء مَرَّضَ لإزالة المرض، ويسمّى موضع العبادة الصَّلَاةَ، ولذلك سمّيت الكنائس صَلَوَاتٌ، كقوله : لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ [الحج / ٤٠]، وكلّ موضع مدح اللّه تعالى بفعل الصَّلَاةِ أو حثّ عليه ذكر بلفظ الإقامة، نحو :
وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ [النساء / ١٦٢]، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة / ٤٣]، وَأَقامُوا الصَّلاةَ [البقرة / ٢٧٧]، ولم يقل : المُصَلِّينَ إلّا في المنافقين، نحو قوله : فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ
[الماعون / ٤ - ٥]، وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى [التوبة / ٥٤]، وإنما خصّ لفظ الإقامة تنبيها أنّ المقصود من فعلها توفية حقوقها
(١) ونقل هذا السخاوي في القول البديع ص ١١، وهو قول الخازرنجي صاحب تكملة العين. انظر تفسير الرازي ٢ / ٢٩.
(٢) الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال :«إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل، وإن كان صائما فليصلّ» أخرجه مسلم في النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي برقم (١٤٣١)، وأحمد في المسند ٣ / ٣٩٢، وانظر : شرح السنة ٦ / ٣٧٥.
(٣) قال السخاوي : نقل الترمذي عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم قالوا : صلاة الربّ الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار، وقيل : صلاة الملائكة الدعاء. انظر : القول البديع ص ١٠.
- وردّ هذا القول ابن القيم في جلاء الأفهام ص ٨١. [.....]
(٤) صلاء النار : حرّها.