المفردات في غريب القرآن، ص : ٥٣١
[المائدة / ١١٢]، فقيل : إنهم قالوا ذلك قبل أن قويت معرفتهم باللّه. وقيل : إنهم لم يقصدوا قصد القدرة «١»، وإنما قصدوا أنه هل تقتضي الحكمة أن يفعل ذلك؟ وقيل : يَسْتَطِيعُ ويُطيعُ بمعنى واحدٍ «٢»، ومعناه : هل يجيب؟ كقوله :
ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ
[غافر / ١٨]، أي : يجاب، وقرئ : هل تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ «٣» أي : سؤالَ رَبِّكَ، كقولك :
هل يَسْتَطِيعُ الأَمِيرُ أن يفعل كذا، وقوله :
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ
[المائدة / ٣٠]، نحو :
أسمحت له قرينته، وانقادت له، وسوّلت، وطَوَّعَتْ أبلغُ من أَطَاعَتْ، وطَوَّعَتْ له نفسُهُ بإزاء قولهم : تأبَّتْ عن كذا نفسُهُ، وتَطوَّعَ كذا : تحمّله طَوْعاً. قال تعالى : وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ
[البقرة / ١٥٨]، الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
[التوبة / ٧٩]، وقيل :
طَاعَتْ وتَطَوَّعَتْ بمعنًى، ويقال : اسْتَطَاعَ واسْطَاعَ بمعنى، قال تعالى : فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ، وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً
[الكهف / ٩٧].
طوف
الطَّوْفُ : المشيُ حولَ الشيءِ، ومنه : الطَّائِفُ لمن يدور حول البيوت حافظا. يقال : طَافَ به يَطُوفُ. قال تعالى : يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ [الواقعة / ١٧]، قال : فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما
[البقرة / ١٥٨]، ومنه استعير الطَّائِفُ من الجنّ، والخيال، والحادثة وغيرها.
قال : إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ
[الأعراف / ٢٠١]، وهو الذي يدور على الإنسان من الشّيطان يريد اقتناصه، وقد قرئ :
طيف «٤» وهو خَيالُ الشيء وصورته المترائي له في المنام أو اليقظة. ومنه قيل للخيال : طَيْفٌ.
قال تعالى : فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ
[القلم / ١٩]، تعريضا بما نالهم من النّائبة، وقوله : أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ
[البقرة / ١٢٥]، أي :
لقصّاده الذين يَطُوفُونَ به، والطَّوَّافُونَ في قوله :
طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ
[النور / ٥٨] عبارة عن الخدم، وعلى هذا الوجه قال عليه السلام في الهرّة :(إنّها من الطَّوَّافِينَ عليكم والطَّوَّافَاتِ) «٥». وَالطَّائِفَةُ من الناس : جماعة
(١) قال عائشة : كان الحواريون أعلم باللّه من أن يقولوا : هل يستطيع ربك، إنما قالوا : هل تستطيع أنت؟ ربك هل تستطيع أن تدعوه؟ انظر : الدر المنثور ٣ / ٢٣١.
(٢) وهذا قول الشعبي. انظر : الدر المنثور ٣ / ٢٣١.
(٣) وبها قرأ الكسائي. انظر : الإتحاف ص ٢٠٤.
(٤) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي ويعقوب. انظر : الإتحاف ص ٢٣٤.
(٥) الحديث عن كبشة بنت كعب بن مالك - وكانت تحت ابن أبي قتادة - أنّ أبا قتادة دخل عليها، فسكبت له وضوءا، فجاءت هرّة تشرب منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة : فرآني أنظر إليه، فقال : أتعجبين يا ابنة أخي؟
قالت : قلت : نعم، فقال : إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال : إنّها ليس بنجس، إنها من الطوّافين عليكم أو الطّوافات.
أخرجه مالك ١ / ٢٣، وأحمد ٥ / ٢٩٦، وأبو داود رقم ٧٥، والنّسائي ١ / ٥٥ وانظر شرح السنة ٢ / ٦٩.