المفردات في غريب القرآن، ص : ٥٣٧
مشى لم يكن له ظِلٌّ» «١»، ولهذا تأويل يختصّ بغير هذا الموضع «٢». وظَلْتُ وظَلِلْتُ بحذف إحدى اللّامين يعبّر به عمّا يفعل بالنهار، ويجري مجرى صرت، فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ
[الواقعة / ٦٥]، لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ
[الروم / ٥١]، ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً
[طه / ٩٧].
ظلم
الظُّلْمَةُ : عدمُ النّور، وجمعها : ظُلُمَاتٌ. قال تعالى : أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ
[النور / ٤٠]، ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ
[النور / ٤٠]، وقال تعالى : أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [النمل / ٦٣]، وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ
[الأنعام / ١]، ويعبّر بها عن الجهل والشّرك والفسق، كما يعبّر بالنّور عن أضدادها.
قال اللّه تعالى : يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ
[البقرة / ٢٥٧]، أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ [إبراهيم / ٥]، فَنادى فِي الظُّلُماتِ [الأنبياء / ٨٧]، كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ [الأنعام / ١٢٢]، هو كقوله :
كَمَنْ هُوَ أَعْمى [الرعد / ١٩]، وقوله في سورة الأنعام : وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ [الأنعام / ٣٩]، فقوله : فِي الظُّلُماتِ
هاهنا موضوع موضع العمى في قوله : صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ [البقرة / ١٨]، وقوله : فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ
[الزمر / ٦]، أي :
البطن والرّحم والمشيمة، وَأَظْلَمَ فلانُ : حصل في ظُلْمَةٍ. قال تعالى : فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ
[يس / ٣٧]، وَالظُّلْمُ عند أهل اللّغة وكثير من العلماء : وضع الشيء في غير موضعه المختصّ به، إمّا بنقصان أو بزيادة، وإمّا بعدول عن وقته أو مكانه، ومن هذا يقال : ظَلَمْتُ السِّقَاءَ : إذا تناولته في غير وقته، ويسمّى ذلك اللّبن الظَّلِيمَ.
وظَلَمْتُ الأرضَ : حفرتها ولم تكن موضعا للحفر، وتلك الأرض يقال لها : المَظْلُومَةُ، والتّراب الّذي يخرج منها : ظَلِيمٌ. والظُّلْمُ يقال في مجاوزة الحقّ الذي يجري مجرى نقطة الدّائرة، ويقال فيما يكثر وفيما يقلّ من التّجاوز، ولهذا يستعمل في الذّنب الكبير، وفي الذّنب الصّغير، ولذلك قيل لآدم في تعدّيه ظالم «٣»، وفي إبليس ظالم، وإن كان بين الظُّلْمَيْنِ بون بعيد. قال بعض الحكماء : الظُّلْمُ ثلاثةٌ :
الأوّل : ظُلْمٌ بين الإنسان وبين اللّه تعالى، وأعظمه : الكفر والشّرك والنّفاق، ولذلك قال :
إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
[لقمان / ١٣]، وإيّاه
(١) ذكر ذلك القاضي عياض في الشفاء ١ / ٢٦٨، وقال السيوطي : أخرج الحكيم الترمذي عن ذكوان أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لم يكن له ظلّ في شمس ولا قمر. انظر : الخصائص الكبرى ١ / ٦٨، ومناهل الصفا ص ١٧٣. [.....]
(٢) لعلّ له كتابا في ذلك أو فيما يتعلق بخصائص النبي صلّى اللّه عليه وسلم.
(٣) وذلك في قوله تعالى : وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ سورة البقرة : آية ٣٥.
وقوله : رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا [الأعراف / ٢٣] ولا يقال ذلك إلا مع الآية دون الإطلاق.