المفردات في غريب القرآن، ص : ٥٦٠
[آل عمران / ٢٣]، فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ
[سبأ / ١٦]، وقوله : وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ
[آل عمران / ١٣٣]، فقد قيل : هو العَرْضُ الذي خلاف الطّول، وتصوُّرُ ذلك على أحد وجوه : إمّا أن يريد به أن يكون عَرْضُهَا في النّشأة الآخرة كَعَرْضِ السّموات والأرض في النّشأة الأولى، وذلك أنه قد قال : يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ [إبراهيم / ٤٨]، ولا يمتنع أن تكون السّموات والأرض في النّشأة الآخرة أكبر ممّا هي الآن. وروي أنّ يهوديّا سأل عمر رضي اللّه عنه عن هذه الآية فقال : فأين النار؟ فقال عمر : إذا جاء الليل فأين النهار «١».
وقيل : يعني بِعَرْضِهَا سَعَتَهَا لا من حيث المساحة ولكن من حيث المسرّة، كما يقال في ضدّه :
الدّنيا على فلان حلقة خاتم، وكفّة حابل، وسعة هذه الدار كسعة الأرض، وقيل : العَرْضُ هاهنا من عَرْضِ البيعِ «٢»، من قولهم : بيع كذا بِعَرْضٍ : إذا بيع بسلعة، فمعنى عَرْضُهَا أي : بدلها وعوضها، كقولك : عَرْضُ هذا الثّوب كذا وكذا. والعَرَضُ : ما لا يكون له ثباتٌ، ومنه استعار المتكلّمون العَرَضَ لما لا ثبات له إلّا بالجوهر كاللّون والطّعم، وقيل : الدّنيا عَرَضٌ حاضرٌ «٣»، تنبيها أن لا ثبات لها. قال تعالى :
تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [الأنفال / ٦٧]، وقال : يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ : سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ [الأعراف / ١٦٩]، وقوله : لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً
[التوبة / ٤٢]، أي : مطلبا سهلا.
والتَّعْرِيضُ : كلامٌ له وجهان من صدق وكذب، أو ظاهر وباطن. قال : وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ
[البقرة / ٢٣٥]، قيل : هو أن يقول لها : أنت جميلةٌ، ومرغوب فيك ونحو ذلك.
عرف
المَعْرِفَةُ والعِرْفَانُ : إدراك الشيء بتفكّر وتدبّر لأثره، وهو أخصّ من العلم، ويضادّه الإنكار، ويقال : فلان يَعْرِفُ اللّهَ ولا يقال : يعلم اللّه متعدّيا
(١) أخرج البزار والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقال : أرأيت قوله : وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ فأين النار؟ قال : أرأيت الليل إذا لبس كلّ شيء فأين النهار؟ قال : حيث شاء اللّه. قال : فكذلك حيث شاء اللّه. المستدرك ١ / ٣٦.
- وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن طارق بن شهاب أنّ ناسا من اليهود سألوا عمر بن الخطاب عن : جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ فأين النار؟ فقال عمر : إذا جاء الليل فأين النهار، وإذا جاء النهار فأين الليل؟ فقالوا : لقد نزعت مثلها من التوراة. راجع : الدر المنثور ٢ / ٣١٥.
(٢) وهذا قول أبي مسلم الأصفهاني محمد بن بحر. قال بيان الحق النيسابوري : وتعسّف ابن بحر في تأويلها فقال :
عرضها : ثمنها لو جاز بيعها، من المعاوضة في عقود البياعات. انظر : وضح البرهان بتحقيقنا ١ / ٢٥١.
(٣) انظر البصائر ٤ / ٤٦، وعمدة الحفاظ : عرض.