المفردات في غريب القرآن، ص : ٦١٦
السلام لمعاذ :«خذ من أغنيائهم وردّ في فقرائهم» «١»، وهذا المعنى هو المعنيّ بقول الشاعر :
٣٤٣ -
قد يكثر المال والإنسان مفتقر
«٢» يقال : غَنَيْتُ بكذا غِنْيَاناً وغِنَاءً، واسْتَغْنَيْتُ وتَغَنَّيْتُ، وتَغَانَيْتُ، قال تعالى : وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [التغابن / ٦]. ويقال : أَغْنَانِي كذا، وأغْنَى عنه كذا : إذا كفاه. قال تعالى :
ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ [الحاقة / ٢٨]، ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ [المسد / ٢]، لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً [آل عمران / ١٠]، ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ [الشعراء / ٢٠٧]، لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ
[يس / ٢٣]، وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ [المرسلات / ٣١]. والْغَانِيَةُ : الْمُسْتَغْنِيَةُ بزوجها عن الزّينة، وقيل : الْمُسْتَغْنِيَةُ بحسنها عن التّزيّن.
وغَنَى في مكان كذا : إذا طال مقامه فيه مستغنيا به عن غيره بغنى، قال : كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا
[الأعراف / ٩٢]. والْمَغْنَى يقال للمصدر وللمكان، وغَنَّى أُغْنِيَةً وغِنَاءً، وقيل : تَغَنَّى بمعنى استغنى وحمل قوله عليه السلام :«... من لم يَتَغَنَّ بالقرآن» «٣» على ذلك.
غيب
الغَيْبُ : مصدر غَابَتِ الشّمسُ وغيرها : إذا استترت عن العين، يقال : غَابَ عنّي كذا. قال تعالى : أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ
[النمل / ٢٠]، واستعمل في كلّ غَائِبٍ عن الحاسّة، وعمّا يَغِيبُ عن علم الإنسان بمعنى الغَائِبِ، قال : وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ
[النمل / ٧٥]، ويقال للشيء : غَيْبٌ وغَائِبٌ باعتباره بالناس لا باللّه تعالى، فإنه لا يغيب عنه شيء، كما لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السّموات ولا في الأرض. وقوله : عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ [الأنعام / ٧٣]، أي : ما يغيب عنكم وما تشهدونه، والْغَيْب في قوله : يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة / ٣]، ما لا يقع تحت الحواسّ ولا

_
(١) الحديث عن ابن عباس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن، فقال :«إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا اللّه وأني رسول اللّه، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ اللّه تعالى افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ اللّه افترض عليهم صدقة أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وتردّ على فقرائهم...» الحديث.
أخرجه البخاري في الزكاة ٣ / ٣٢٢، ومسلم في الإيمان برقم ١٩.
(٢) هذا عجز بيت وصدره :
[العيش لا عيش إلا ما قنعت به ]
وهو في التمثيل والمحاضرة للثعالبي ص ٨٥، ونهاية الأرب ٣ / ٨٤.
(٣) الحديث عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم :«ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن» أخرجه البخاري في التوحيد ١٣ / ٤١٨، وأحمد في المسند ١ / ١٧٢.


الصفحة التالية
Icon