المفردات في غريب القرآن، ص : ٦٥٣
قبل
قَبْلُ يستعمل في التّقدّم المتّصل والمنفصل، ويضادّه بعد، وقيل : يستعملان في التّقدّم المتّصل، ويضادّهما دبر ودبر. هذا في الأصل وإن كان قد يتجوّز في كلّ واحد منهما.
(فَقَبْلُ) يستعمل على أوجه :
الأوّل : في المكان بحسب الإضافة، فيقول الخارج من أصبهان إلى مكّة : بغداد قبل الكوفة، ويقول الخارج من مكّة إلى أصبهان : الكوفة قبل بغداد.
الثاني : في الزّمان نحو : زمان عبد الملك قبل المنصور، قال : فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ [البقرة / ٩١].
الثالث : في المنزلة نحو : عبد الملك قبل الحجّاج.
الرابع : في الترتيب الصّناعيّ. نحو تعلّم الهجاء قبل تعلّم الخطّ، وقوله : ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ [الأنبياء / ٦]، وقوله : قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها [طه / ١٣٠]، قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ [النمل / ٣٩]، أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ [الحديد / ١٦]، فكلّ إشارة إلى التّقدّم الزّمانيّ. والقُبُلُ والدّبر يكنّى بهما عن السّوأتين، والإِقْبَالُ : التّوجّه نحو الْقُبُلِ، كَالاسْتِقْبَالِ. قال تعالى : فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ [الصافات / ٥٠]، وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ [يوسف / ٧١]، فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ [الذاريات / ٢٩]، والقَابِلُ : الذي يَسْتَقْبِلُ الدّلو من البئر فيأخذه، والْقَابِلَةُ : التي تَقْبَلُ الولد عند الولادة، وقَبِلْتُ عذره وتوبته وغيره، وتَقَبَّلْتُهُ كذلك. قال :
وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ
[البقرة / ١٢٣]، وَقابِلِ التَّوْبِ
[غافر / ٣]، وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ [الشورى / ٢٥].
والتَّقَبُّلُ : قَبُولُ الشيء على وجه يقتضي ثوابا كالهديّة ونحوها. قال تعالى : أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا
[الأحقاف / ١٦]، وقوله : إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة / ٢٧]، تنبيه أن ليس كل عبادة مُتَقَبَّلَةً، بل إنّما يتقبّل إذا كان على وجه مخصوص. قال تعالى :
إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي [آل عمران / ٣٥]. وقيل للكفالة : قُبَالَةٌ فإنّ الكفالة هي أوكد تَقَبُّلٍ، وقوله : فَتَقَبَّلْ مِنِّي [آل عمران / ٣٥]، فباعتبار معنى الكفالة، وسمّي العهد المكتوب : قُبَالَةً، وقوله :
فَتَقَبَّلَها
[آل عمران / ٣٧]، قيل : معناه قبلها، وقيل : معناه تكفّل بها، ويقول اللّه تعالى :
كلّفتني أعظم كفالة في الحقيقة وإنما قيل :
فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ [آل عمران / ٣٧]، ولم يقل بتقبّل للجمع بين الأمرين : التَّقَبُّلِ الذي هو التّرقّي في القَبُولِ، والقَبُولِ الذي يقتضي


الصفحة التالية
Icon