المفردات في غريب القرآن، ص : ٦٥٩
[المزمل / ٢٠]، إشارة إلى ما أجري من تكوير الليل على النهار، وتكوير النهار على الليل، وأن ليس أحد يمكنه معرفة ساعاتهما وتوفية حقّ العبادة منهما في وقت معلوم، وقوله : مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ
[عبس / ١٩]، فإشارة إلى ما أوجده فيه بالقوّة، فيظهر حالا فحالا إلى الوجود بالصّورة، وقوله : وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً
[الأحزاب / ٣٨]، فَقَدَرٌ إشارة إلى ما سبق به القضاء، والكتابة في اللّوح المحفوظ والمشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام :«فرغ ربّكم من الخلق والخلق والأجل والرّزق» «١»، والْمَقْدُورُ إشارة إلى ما يحدث عنه حالا فحالا ممّا قدّر، وهو المشار إليه بقوله : كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن / ٢٩]، وعلى ذلك قوله : وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [الحجر / ٢١]، قال أبو الحسن : خذه بقدر كذا وبقدر كذا، وفلان يخاصم بقدر وقدر، وقوله : عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ
[البقرة / ٢٣٦]، أي :
ما يليق بحاله مقدّرا عليه، وقوله : وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى
[الأعلى / ٣]، أي : أعطى كلّ شيء ما فيه مصلحته، وهداه لما فيه خلاصه، إمّا بالتّسخير، وإمّا بالتّعليم كما قال : أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [طه / ٥٠]، والتَّقْدِيرُ من الإنسان على وجهين : أحدهما : التّفكّر في الأمر بحسب نظر العقل، وبناء الأمر عليه، وذلك محمود، والثاني : أن يكون بحسب التّمنّي والشّهوة، وذلك مذموم كقوله : فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ
[المدثر / ١٨ - ١٩]، وتستعار الْقُدْرَةُ والْمَقْدُورُ للحال، والسّعة في المال، والقَدَرُ : وقت الشيء المقدّر له، والمكان المقدّر له، قال : إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ [المرسلات / ٢٢]، وقال : فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها [الرعد / ١٧]، أي : بقدر المكان المقدّر لأن يسعها، وقرئ :
(بِقَدْرِهَا) «٢» أي : تقديرها. وقوله : وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ
[القلم / ٢٥]، قاصدين، أي : معيّنين لوقت قَدَّرُوهُ، وكذلك قوله :
فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ
[القمر / ١٢]، وقَدَرْتُ عليه الشيء : ضيّقته، كأنما جعلته بقدر بخلاف ما وصف بغير حساب. قال تعالى :
وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ
[الطلاق / ٧]، أي :
ضيّق عليه، وقال : يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ
[الروم / ٣٧]، وقال : فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ
[الأنبياء / ٨٧]، أي : لن نضيّق عليه، وقرئ :(لن نُقَدِّرَ عليه) «٣»، ومن هذا
(١) الحديث تقدّم في مادة (خزن)، وأخرجه ابن حبان في روضة العقلاء ص ١٤٩ من كلام ابن مسعود.
(٢) وهي قراءة شاذة، قرأ بها الحسن والأشهب العقيلي. انظر : تفسير القرطبي ٩ / ٣٠٥.
(٣) وهي قراءة شاذة، قرأ بها ابن عباس والزهري وعمر بن عبد العزيز. انظر : تفسير القرطبي ١١ / ٣٣٢.