المفردات في غريب القرآن، ص : ٦٦١
أشرف منه، وإمّا لما لا يصحّ وجود غيره إلّا بوجوده، كقولك : الواحد مُتَقَدِّمٌ على العدد.
بمعنى أنه لو توهّم ارتفاعه لارتفعت الأعداد، والقِدَمُ : وجود فيما مضى، والبقاء : وجود فيما يستقبل، وقد ورد في وصف اللّه (يا قَدِيمَ الإحسان) «١»، ولم يرد في شيء من القرآن والآثار الصحيحة : القَدِيمُ في وصف اللّه تعالى، والمتكلّمون يستعملونه، ويصفونه به «٢»، وأكثر ما يستعمل القديم باعتبار الزمان نحو : كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ
[يس / ٣٩]، وقوله : قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ
[يونس / ٢]، أي : سابقة فضيلة، وهو اسم مصدر، وقَدَّمْتُ كذا، قال : أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ
[المجادلة / ١٣]، وقال : لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ
[المائدة / ٨٠]، وقَدَّمْتُ فلانا أَقْدُمُهُ : إذا تَقَدَّمْتَهُ. قال : يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ
[هود / ٩٨]، بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ [البقرة / ٩٥]، وقوله : لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
[الحجرات / ١]، قيل : معناه لا تَتَقَدَّمُوهُ. وتحقيقه : لا تسبقوه بالقول والحكم بل افعلوا ما يرسمه لكم كما يفعله العباد المكرمون، وهم الملائكة حيث قال : لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ [الأنبياء / ٢٧]، وقوله : لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ
[الأعراف / ٣٤]، أي : لا يريدون تأخّرا ولا تقدّما. وقوله : وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ
[يس / ١٢]، أي : ما فعلوه، قيل : وقَدَّمْتُ إليه بكذا : إذا أمرته قبل وقت الحاجة إلى فعله، وقبل أن يدهمه الأمر والناس.
وقَدَّمْتُ به : أعلمته قبل وقت الحاجة إلى أن يعمله، ومنه : وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ «٣» و(قُدَّامُ) بإزاء خَلْفُ، وتصغيره قُدَيْدِمَةٌ «٤»، وركب فلان مَقَادِيمَهُ «٥»، إذا مرّ على وجهه، وقَادِمَةُ الرّحل، وقادمة الأطباء، وقادمة الجناح، ومُقَدِّمَةُ الجيش، والْقَدُومُ. كلّ ذلك يعتبر فيه معنى التّقدّم.
قذف
الْقَذْفُ : الرّمي البعيد، ولاعتبار البعد فيه قيل : منزل قَذَفٌ وقَذِيفٌ، وبلدة قَذُوفٌ : بعيدة،

_
(١) لم أجده في المرفوع لكن جاء عن محمد بن وزير أنه رأى النبي صلّى اللّه عليه وسلم في المنام، وشكا له، فقال له قل : يا قديم الإحسان ويا من إحسانه فوق كل إحسان ويا مالك الدنيا والآخرة. أخرجه الصابوني. انظر : الرياض النضرة للطبري ١ / ٥٠. ومعلوم أنّ مثل هذا لا تثبت به حجة. [.....]
(٢) انظر : الأسماء والصفات للبيهقي ص ٣٣، والمنهاج في شعب الإيمان للحليمي ١ / ١٨٨، والمواقف للإيجي ص ٧٦، وورد اسم القديم في حديث أسماء اللّه الحسنى، أخرجه ابن ماجة ٢ / ١٢٧٠، وفيه ضعف.
(٣) سورة ق : آية ٢٨.
(٤) يصغّر قديدمة وقديديمة، وهو شاذ. انظر : اللسان (قدم).
(٥) انظر : المجمل ٣ / ٧٤٥، وأساس البلاغة (قدم).


الصفحة التالية
Icon