المفردات في غريب القرآن، ص : ٦٦٩
بالكتاب المنزّل على محمد صلّى اللّه عليه وسلم، فصار له كالعلم كما أنّ التّوراة لما أنزل على موسى، والإنجيل على عيسى صلّى اللّه عليهما وسلم. قال بعض العلماء :(تسمية هذا الكتاب قُرْآناً من بين كتب اللّه لكونه جامعا لثمرة كتبه) بل لجمعه ثمرة جميع العلوم، كما أشار تعالى إليه بقوله : وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ [يوسف / ١١١]، وقوله : تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل / ٨٩]، قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ [الزمر / ٢٨]، وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ [الإسراء / ١٠٦]، فِي هذَا الْقُرْآنِ
[الروم / ٥٨]، وَقُرْآنَ الْفَجْرِ
[الإسراء / ٧٨] أي :
قراءته، لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ [الواقعة / ٧٧] وأقرأت فلانا كذا. قال : سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى [الأعلى / ٦]، وتَقَرَّأْتُ : تفهّمت، وقَارَأْتُهُ :
دارسته.
قرى
الْقَرْيَةُ : اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس، وللناس جميعا، ويستعمل في كلّ واحد منهما. قال تعالى : وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ
[يوسف / ٨٢] قال كثير من المفسّرين معناه : أهل القرية.
وقال بعضهم «١» بل الْقَرْيَةُ هاهنا : القوم أنفسهم، وعلى هذا قوله : وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً [النحل / ١١٢]، وقال : وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ [محمد / ١٣] وقوله : وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى [هود / ١١٧] فإنّها اسم للمدينة، وكذا قوله : وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى [يوسف / ١٠٩]، رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها [النساء / ٧٥]، وحكي أنّ بعض القضاة دخل على عليّ بن الحسين رضي اللّه عنهما فقال : أخبرني عن قول اللّه تعالى : وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً
[سبأ / ١٨] ما يقول فيه علماؤكم؟ قال : يقولون إنّها مكّة «٢»، فقال : وهل رأيت؟ فقلت : ما هي؟ قال : إنّما عني الرّجال، فقال : فقلت : فأين ذلك في كتاب اللّه؟ فقال :
ألم تسمع قوله تعالى : وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ... الآية [الطلاق / ٨] «٣». وقال :
وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا [الكهف / ٥٩]، وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ [البقرة / ٥٨]، وقَرَيْتُ الماء في الحوض، وقَرَيْتُ الضّيف قِرًى، وقَرَى الشيء في فمه : جمعه، وقَرَيَانُ الماء : مجتمعه.

_
(١) هو المبرّد في كتابه ما اتفق لفظه ص ٧٧.
(٢) المعروف أنّ المراد بها بلاد الشام. انظر : الدر المنثور ٦ / ٦٩٣، وروح المعاني ٢٢ / ١٢٩، وتفسير القرطبي ١٤ / ٢٨٩، وتفسير الماوردي ٣ / ٣٥٧.
(٣) وهذه القصة في البصائر ٤ / ٢٦٦، وعمدة الحفاظ : قرى.


الصفحة التالية
Icon