المفردات في غريب القرآن، ص : ٧١٦
لقوله : كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ
[ق / ٢٤] وقال :
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة / ٢٧٦]، إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر / ٣]، إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً [نوح / ٢٧] وقد أجري الكفّار مجرى الكفور في قوله : إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم / ٣٤]. والكُفَّارُ في جمع الكافر المضادّ للإيمان أكثر استعمالا كقوله : أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ
[الفتح / ٢٩]، وقوله : لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح / ٢٩].
والكَفَرَةُ في جمع كافر النّعمة أشدّ استعمالا، وفي قوله : أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس / ٤٢] ألا ترى أنه وصف الكفرة بالفجرة؟
والفجرة قد يقال للفسّاق من المسلمين. وقوله :
جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ [القمر / ١٤] أي : من الأنبياء ومن يجري مجراهم ممّن بذلوا النّصح في أمر اللّه فلم يقبل منهم. وقوله : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا
[النساء / ١٣٧] قيل : عني بقوله إنهم آمنوا بموسى، ثمّ كفروا بمن بعده. والنصارى آمنوا بعيسى، ثمّ كفروا بمن بعده. وقيل : آمنوا بموسى ثم كفروا بموسى إذ لم يؤمنوا بغيره، وقيل : هو ما قال : وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي إلى قوله :
وَاكْفُرُوا آخِرَهُ
[آل عمران / ٧٢] «١» ولم يرد أنّهم آمنوا مرّتين وكفروا مرّتين، بل ذلك إشارة إلى أحوال كثيرة. وقيل : كما يصعد الإنسان في الفضائل في ثلاث درجات ينعكس في الرّذائل في ثلاث درجات. والآية إشارة إلى ذلك، وقد بيّنته في كتاب «الذّريعة إلى مكارم الشّريعة» «٢».
ويقال : كَفَرَ فلانٌ : إذا اعتقد الكفر، ويقال ذلك إذا أظهر الكفر وإن لم يعتقد، ولذلك قال :
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [النحل / ١٠٦] ويقال : كَفَرَ فلان بالشّيطان : إذا كفر بسببه، وقد يقال ذلك إذا آمن وخالف الشّيطان، كقوله : فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ
[البقرة / ٢٥٦] وأَكْفَرَهُ إِكْفَاراً : حكم بكفره، وقد يعبّر عن التّبرّي بالكفر نحو : ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ...
الآية [العنكبوت / ٢٥]، وقوله تعالى : إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ [إبراهيم / ٢٢]، وقوله : كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ [الحديد / ٢٠] قيل : عنى بالكفّار الزّرّاع «٣»، لأنّهم يغطّون البذر في التّراب ستر الكفّار حقّ اللّه

_
(١) قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.
(٢) قال الراغب في كتاب «الذريعة» : وللإنسان مع كل فضيلة ورذيلة ثلاثة أحوال : إمّا أن يكون في ابتدائها، فيقال : هو عبدها وابنها، ولهذا قال بعضهم : من لم يخدم العلم لم يرعه. والثاني : أن يتوسطها فيقال : هو أخوها وصاحبها.
والثالث : أن ينتهي فيها بقدر وسعه، ويتصرف فيها كما أراد، فيقال : هو ربّها وسيدها. انظر : كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة ص ٤٤.
(٣) وهذا قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن ص ٤٥٤.


الصفحة التالية
Icon