المفردات في غريب القرآن، ص : ٧٣١
[الفرقان / ٢٩]، وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً [الإسراء / ٢٧]. وإذا استعمل في الزمان الماضي فقد يجوز أن يكون المستعمل فيه بقي على حالته كما تقدّم ذكره آنفا، ويجوز أن يكون قد تغيّر نحو : كَانَ فلان كذا ثم صار كذا. ولا فرق بين أن يكون الزمان المستعمل فيه كان قد تقدّم تقدما كثيرا، نحو أن تقول : كان في أوّل ما أوجد اللّه تعالى، وبين أن يكون في زمان قد تقدّم بآن واحد عن الوقت الذي استعملت فيه كان، نحو أن تقول : كان آدم كذا، وبين أن يقال : كان زيد هاهنا، ويكون بينك وبين ذلك الزمان أدنى وقت، ولهذا صحّ أن يقال : كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا
[مريم / ٢٩] فأشار بكان أنّ عيسى وحالته التي شاهده عليها قبيل. وليس قول من قال : هذا إشارة إلى الحال بشيء، لأنّ ذلك إشارة إلى ما تقدّم، لكن إلى زمان يقرب من زمان قولهم هذا.
وقوله : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [آل عمران / ١١٠] فقد قيل : معنى كُنْتُمْ معنى الحال «١»، وليس ذلك بشيء بل إنما ذلك إشارة إلى أنّكم كنتم كذلك في تقدير اللّه تعالى وحكمه، وقوله : وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ [البقرة / ٢٨٠] فقد قيل :
معناه : حصل ووقع، والْكَوْنُ يستعمله بعض الناس في استحالة جوهر إلى ما هو دونه، وكثير من المتكلّمين يستعملونه في معنى الإبداع.
وكَيْنُونَةٌ عند بعض النّحويين فعلولة، وأصله :
كَوْنُونَةٌ، وكرهوا الضّمة والواو فقلبوا، وعند سيبويه «٢» كَيْوِنُونَةٌ على وزن فيعلولة، ثم أدغم فصار كَيِّنُونَةً، ثم حذف فصار كَيْنُونَةً، كقولهم في ميّت : ميت. وأصل ميّت : ميوت، ولم يقولوا كيّنونة على الأصل، كما قالوا : ميّت، لثقل لفظها. و«الْمَكَانُ» قيل أصله من : كَانَ يَكُونُ، فلمّا كثر في كلامهم توهّمت الميم أصليّة فقيل :
تمكّن كما قيل في المسكين : تمسكن، واسْتَكانَ فلان : تضرّع وكأنه سكن وترك الدّعة لضراعته.
قال تعالى : فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ [المؤمنون / ٧٦].
كوى
كَوَيْتُ الدّابة بالنار كَيّاً. قال : فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ
[التوبة / ٣٥]. و :
كيْ علّة لفعل الشيء، و«كَيْلَا» لانتفائه، نحو :
(١) قال القرطبي : وقيل :«كان» زائدة، والمعنى : أنتم خير أمة. وأنشد سيبويه :
وجيران لنا كانوا كرام
ومثله قوله تعالى : كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا، وقوله : وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ.
انظر : تفسير القرطبي ٤ / ١٧٠ - ١٧١.
(٢) الكتاب ٤ / ٣٦٥.