المفردات في غريب القرآن، ص : ٧٨٩
يتضمّن هذه الأشياء الثّلاثة، وحقّ الخبر الذي يقال فيه نَبَأٌ أن يتعرّى عن الكذب، كالتّواتر، وخبر اللّه تعالى، وخبر النبيّ عليه الصلاة والسلام، ولتضمُّن النَّبَإِ معنى الخبر يقال : أَنْبَأْتُهُ بكذا كقولك : أخبرته بكذا، ولتضمّنه معنى العلم قيل : أَنْبَأْتُهُ كذا، كقولك : أعلمته كذا «١». قال اللّه تعالى : قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ
[ص / ٦٧ ٦٨]، وقال : عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ
[النبأ / ١ - ٢]، أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ [التغابن / ٥]، وقال : تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ
[هود / ٤٩]، وقال :
تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها
[الأعراف / ١٠١]، وقال : ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ [هود / ١٠٠]، وقوله :
إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا
[الحجرات / ٦] فتنبيه أنه إذا كان الخبر شيئا عظيما له قدر فحقّه أن يتوقّف فيه، وإن علم وغلب صحّته على الظّنّ حتى يعاد النّظر فيه، ويتبين فضل تبيّن، يقال :
نَبَّأْتُهُ وأَنْبَأْتُهُ. قال تعالى : أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
[البقرة / ٣١]، وقال :
أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ
[البقرة / ٣٣]، وقال : نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ
[يوسف / ٣٧]، وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ
[الحجر / ٥١]، وقال : أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ
[يونس / ١٨]، قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ [الرعد / ٣٣]، وقال : نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
[الأنعام / ١٤٣]، قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ [التوبة / ٩٤]. ونَبَّأْتُهُ أبلغ من أَنْبَأْتُهُ، فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
[فصلت / ٥٠]، يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
[القيامة / ١٣] ويدلّ على ذلك قوله : فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ
[التحريم / ٣] ولم يقل : أَنْبَأَنِي، بل عَدَلَ إلى «نَبَّأَ» الّذي هو أبلغُ تنبيهاً على تحقيقه وكونه من قِبَلِ اللّه. وكذا قوله : قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ
[التوبة / ٩٤]، فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
[المائدة / ١٠٥] والنُّبُوَّةُ : سِفَارَةٌ بين اللّه وبين ذوي العقول من عباده لإزاحة عللهم في أمر مَعادِهم ومَعاشِهم. والنَّبِيُّ لكونه منبِّئا بما تسكن إليه العقول الذَّكيَّة، وهو يصحُّ أن يكون فعيلا بمعنى فاعل لقوله تعالى : نَبِّئْ عِبادِي
[الحجر / ٤٩]، قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ
[آل عمران / ١٥]، وأن يكون بمعنى المفعول لقوله : نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ [التحريم / ٣]. وتَنَبَّأَ فلان : ادَّعى النُّبوَّة، وكان من حقّ لفظه في وضع اللّغة أن يصحّ استعماله في النبيِّ إذ هو مُطاوِعُ نَبَّأَ،
(١) ما بين [] نقله البغدادي في الخزانة حرفيا ١ / ٢٧٠.