المفردات في غريب القرآن، ص : ٨٥٦
عبّر عن الذّات بالوجه في قول اللّه : وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ [الرحمن / ٢٧] قيل : ذاته. وقيل : أراد بالوجه هاهنا التّوجّه إلى اللّه تعالى بالأعمال الصالحة، وقال :
فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة / ١١٥]، كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص / ٨٨]، يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ [الروم / ٣٨]، إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الإنسان / ٩] قيل : إنّ الوجه في كلّ هذا زائد، ويعنى بذلك : كلّ شيء هالك إلّا هو، وكذا في أخواته. وروي أنه قيل ذلك لأبي عبد اللّه بن الرّضا «١»، فقال : سبحان اللّه! لقد قالوا قولا عظيما، إنما عني الوجه الذي يؤتى منه «٢»، ومعناه : كلّ شيء من أعمال العباد هالك وباطل إلا ما أريد به اللّه، وعلى هذا الآيات الأخر، وعلى هذا قوله : يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الكهف / ٢٨]، تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ [الروم / ٣٩]، وقوله : وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف / ٢٩] فقد قيل : أراد به الجارحة، واستعارها كقولك : فعلت كذا بيدي، وقيل : أراد بالإقامة تحرّي الاستقامة، وبالوجه التّوجّه «٣»، والمعنى : أخلصوا العبادة للّه في الصلاة. وعلى هذا النحو قوله تعالى : فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ [آل عمران / ٢٠]، وقوله : وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى [لقمان / ٢٢]، وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ [النساء / ١٢٥]، وقوله : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً [الروم / ٣٠] فالوجه في كلّ هذا كما تقدّم، أو على الاستعارة للمذهب والطريق.
وفلان وجه القوم، كقولهم : عينهم ورأسهم ونحو ذلك. وقال : وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى [الأعلى / ١٩ - ٢٠]، وقوله : آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ [آل عمران / ٧٢] أي : صدر النهار. ويقال : واجهت فلانا : جعلت وجهي تلقاء وجهه، ويقال للقصد : وجْهٌ، وللمقصد جهة ووِجْهَةٌ، وهي حيثما نتوجّه للشيء، قال :
لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها
[البقرة / ١٤٨] إشارة إلى الشّريعة، كقوله : شِرْعَةً [المائدة / ٤٨] وقال بعضهم : الجاه مقلوب عن الوجه لكن الوجه يقال في العضو والحظوة، والجاه لا يقال إلّا في الحظوة. ووجّهت الشيء : أرسلته في جهة واحدة فتوجّه، وفلان وجِيهٌ : ذو جاه. قال تعالى :
وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ [آل عمران / ٤٥]
(١) تقدّم ص ٧٥.
(٢) انظر : البصائر ٥ / ١٦٦.
(٣) قال القرطبي : أي : توجهوا إليه في كل صلاة إلى القبلة. تفسير القرطبي ٧ / ١٨٨.