المفردات في غريب القرآن، ص : ٨٦٤
والسلام :«إنّا معاشر الأنبياء لا نُورَثُ، ما تركناه صدقةٌ» «١» نصب على الاختصاص، فقد قيل :
ما تركناه هو العلم، وهو صدقة تشترك فيها الأمّة، وما روي عنه عليه الصلاة والسلام من قوله :
«العلماء وَرَثَةُ الأنبياءِ» «٢» فإشارة إلى ما وَرِثُوهُ من العلم. واستُعْمِلَ لفظُ الوَرَثَةِ لكون ذلك بغير ثمن ولا منّة، وقال لعليّ رضي اللّه عنه :«أنت أخي ووَارِثِي. قال : وما أَرِثُكَ؟ قال : ما وَرَّثَتِ الأنبياءُ قبلي، كتاب اللّه وسنّتي» «٣» ووصف اللّه تعالى نفسه بأنه الوَارِثُ «٤» من حيث إنّ الأشياء كلّها صائرة إلى اللّه تعالى. قال اللّه تعالى :
وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
[آل عمران / ١٨٠]، وقال : وَنَحْنُ الْوارِثُونَ
[الحجر / ٢٣] وكونه تعالى وَارِثاً لما روي «أنه» ينادي لمن الملك اليوم؟ فيقال للّه الواحد القهّار» «٥» ويقال : وَرِثْتُ علماً من فلان. أي :
استفدت منه، قال تعالى : وَرِثُوا الْكِتابَ
[الأعراف / ١٦٩]، أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ
[الشورى / ١٤]، ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ
[فاطر / ٣٢]، يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ
[الأنبياء / ١٠٥] فإنّ الوِرَاثَةَ الحقيقيةَ هي أن يحصل للإنسان شيء لا يكون عليه فيه تبعة، ولا عليه محاسبة، وعباد اللّه الصالحون لا يتناولون شيئا من الدّنيا إلا بقدر ما يجب، وفي وقت ما يجب، وعلى الوجه الذي يجب، ومن تناول الدّنيا على هذا الوجه لا يحاسب عليها ولا يعاقب بل يكون ذلك له عفوا صفوا كما روي أنه «من حاسب نفسه في الدّنيا
(١) شطر حديث أخرجه البخاري، قال عمر : أتعلمون أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال :«لا نورث، ما تركنا صدقة» ولأحمد :
«إنّا لا نورث، ما تركنا صدقة» راجع : فتح الباري ٦ / ١٤٤ فرض الخمس، ومسلم (١٧٥٧)، والمسند ١ / ١٦٤. [.....]
(٢) جزء من حديث وفيه :«وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما، إنما ورّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر» أخرجه الترمذي، وقال : وليس هو عندي بمتصل هكذا، وذكر له سندا آخر، وقال : هذا أصح (انظر : عارضة الأحوذي ١٠ / ١٥٥)، وأبو داود، وأخرجه ابن ماجة ١ / ٨١.
قال السيوطي : سئل الشيخ محيي الدين النووي عن هذا الحديث فقال : إنه ضعيف، أي : سندا، وإن كان صحيحا، أي : معنى. وقال المزي : هذا الحديث روي من طرق تبلغ رتبة الحسن. وهو كما قال، فإني رأيت له خمسين طريقا، وقد جمعتها في جزء. انتهى كلام السيوطي.
(٣) قال السيوطي في اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٢٤ : إنه موضوع، وكذا ابن الجوزي في الموضوعات ١ / ٣٤٦.
(٤) انظر : الأسماء والصفات للبيهقي ص ٢٨، والمنهاج للحليمي ١ / ١٨٩.
قال البيهقي : ومعناه : الباقي بعد ذهاب غيره، وربّنا جلّ ثناؤه بهذه الصفة، لأنه يبقى بعد ذهاب الملّاك الذين أمتعهم في هذه الدنيا بما آتاهم.
(٥) أخرجه الحاكم وصححه وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال :
ينادي مناد بين يدي الساعة : يا أيّها الناس، أتتكم الساعة، فيسمعها الأحياء والأموات، وينزل اللّه إلى السماء الدنيا فيقول : لمن الملك اليوم؟ للّه الواحد القهار. انظر : المستدرك ٢ / ٤٣٧، والدر المنثور ٧ / ٢٧٩.