ج ١، ص : ١٤٤
وهو معنى قوله تعالى :(وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ).
والوجه الثاني في التأويل : أن يكون معنى قوله :(عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ)، يريد به كثرة الحلف، وهو نوع من الجرأة على اللّه تعالى، والابتذال لاسمه في كل حق وباطل، ومن أكثر من ذكر شيء، فقد جعله عرضة، كقول القائل :
«قد جعلتني عرضة للومك».
وذم اللّه تعالى مكثر الحلف بقوله تعالى :
(وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) «١».
والمعنى : لا تعرضوا اسم اللّه تعالى، ولا تبتذلوه في كل شيء، لأن تبروا إذا حلفتم، وتتقوا المأثم فيها، إذا قلت أيمانكم، لأن كثرتها تبعد عن البر والتقوى، وتقرب من المأثم والجرأة على اللّه تعالى، وكأن المعنى : إن اللّه ينهاكم عن كثرة الأيمان والجرأة عليها، لما في توقي ذلك من البر والتقوى والإصلاح، فكونوا بررة أتقياء، كقوله تعالى :
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) «٢».
فأفادت الآية المعنيين، ومتضمنهما النهي عن ابتذال اسم اللّه سبحانه واعتراضه باليمين في كل شيء، حقا كان أو باطلا، والنهي أيضا عن جعل اليمين مانعة من البر والتقوى والإصلاح.
ودل ذلك على أن اليمين يجوز أن يجعل سببا للكفارة كما قاله الشافعي لأن اسم اللّه المعظم، صار متعرضا للابتذال بوصف الحنث، ووصف

__
(١) سورة القلم آية ١٠.
(٢) سورة آل عمران آية ١١٠.


الصفحة التالية
Icon