ج ١، ص : ٧٨
تفصيل، ويدل عليه أن مراد اللّه تعالى من ذلك بيان الحاجة إلى الأهلة، ببيان منافعها في كونها مواقيت للناس، فإنما يقال ذلك فيما يعتاده الناس ويتعارفونه، وما اعتاد الناس قط الإحرام في غير أشهر الحج ولا ندبوا إليه، ولذلك سمي بعض الشهور أشهر الحج، وغير المعتاد لا يحصل به الامتياز في كونه ميقاتا، وما يعد ميقاتا أصلا، كما تعد الشهور كلها بأسرها مواقيت للأعمال والآجال، فهذا يدل على صحة هذا التأويل وبطلان تأويلات من يخالف هذا القول...
قوله :(وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) (١٨٩)، هو تنبيه من اللّه تعالى على أن يأتوا البر من وجهه، وهو الوجه الذي أمر اللّه تعالى به، فذكر إتيان البيوت من أبوابها مثلا يشير به إلى أن تأتي الأمور من مأتاها الذي ندبنا اللّه تعالى إليه، وفيه بيان أن ما لم يشرعه اللّه تعالى قربة، ولا ندب إليه لا يصير قربة، بأن يتقرب به متقرب، ومثله تحريم الوصال الذي يتقرب به ولا تقرب فيه. والرهبانية التي يتقرب بها ولا تقرب فيها..
فرض الجهاد :
قال اللّه عز وجل :(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) (١٩٠) الآية..
ولا خلاف بين العلماء في أن القتال كان محظورا قبل الهجرة بقوله :
(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) «١»، إلى قوله :(ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)، وقوله :(فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) «٢»، وقوله :(وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) «٣»، (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ) «٤».
(١) سورة فصلت آية ٣٤.
(٢) سورة المائدة آية ١٣.
(٣) سورة النحل آية ١٢٥.
(٤) سورة العنكبوت آية ٤٦.