ج ٢، ص : ٢٨٦
يمكن أن يستدل به على جواز القرعة في إعتاق «١» في مرضه إذا مات ولا مال له غيرهم، وفيه «٢» نظر، فإن ذلك كان إقراعا فيما يثبت بتراضيهم، وكانت القرعة طلبا للرضا، ورفعا لطلب الاختصاص بطريق الحكم «٣»، كما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه «٤»، لأن التراضي على ما خرجت به القرعة جائز من غير قرعة، وكذلك كان حكم كفالة مريم عليها السلام، وغير جائز وقوع التراضي على نقل الحرية عمن وقعت عليه.
قوله تعالى :(فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) (٦١) «٥».
واعلم أن في هذا دلالة على أن الحسن والحسين رضي اللّه عنهما ابنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لأنه أخذ بيد الحسن والحسين حين أراد حضور المباهلة، وقال اللّه تعالى :(نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ)، ولم يكن للنبي صلّى اللّه عليه وسلم بنون غيرهما، وقال للحسن :
(١) أي العبيد يعتقهم في مرضه ثم يموت.
(٢) أي في هذا الجواز.
(٣) انظر الجصاص ج ٢ ص ٢٩٤.
(٤) أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما، وأبو داود في سننه، وابن ماجة في سننه عن عائشة رضي اللّه عنها :
«كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه».
(٥) أي يدع كل منها ومنكم نفسه، وأعزة أهله، وألصقهم بقلبه، ممن يخاطر الرجل بنفسه لهم، ويحارب دونهم ويحملهم على المباهلة.
والمباهلة : الاجتهاد في الدعاء باللعن وغيره، يقال : بهله اللّه أي لعنه، والبهل : اللعن، وحكى أبو عبيدة : بهله اللّه يبهله بهلة، أي لعنة.
ويقول ابن كثير :
«و كان سبب نزول هذه المباهلة وما قبلها من أول السورة الى هنا في وفد نصارى نجران لما قدموا المدينة فجعلوا يحاجون في عيسى ويزعمون فيه ما يزعمون من النبوة والإلهية، فأنزل صدر هذه السورة ردا عليهم كما ذكره الامام محمد بن اسحق وغيره.
انظر البخاري في كتاب المغازي باب قصة نجران، والقرطبي ج ٤ ص ١٠٤.
ويقول صاحب محاسن التأويل :
«استنبط من الآية جواز المحاجة في أمر الدين، وأن من جادل وأنكر شيئا من الشريعة جازت مباهلته اقتداء بما أمر به صلّى اللّه عليه وسلم، والمباهلة الملاعنة» أه.
ويقول ابن القيم في زاد المعاد :
«ان السنة في مجادلة أهل الباطل إذا قامت عليهم حجة اللّه ولم يرجعوا بل أمروا على العناد أن يدعوهم الى المباهلة، وقد أمر اللّه سبحانه بذلك رسوله» أه.