ج ٢، ص : ٣٢٤
وقد تجاوز بعض من صنف أحكام القرآن حد الإنصاف عند حكاية كلام الشافعي، وكفاه جهله بقدر الشافعي جوابا له.
قوله تعالى :(وَآتُوا «١» النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) الآية (٤) :
والنحلة هاهنا الفريضة، وهو مثل ما ذكره اللّه تعالى عقيب ذكر المواريث (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) «٢».
والخطاب يدل على الأزواج، ونهيهم عن منع الصداق عنهم، وعلى الولي الذي يأخذ المهر ولا يعطيها «٣»، مع أن ما تقدم من قوله :(فَانْكِحُوا) يدل على أنه خطاب للأزواج.
وإذا كان خطابا للأزواج فيجوز أن يقال سمي نحلة، والنحلة في الأصل العطية، وإنما سماه عطية، لأن الزوج لا يملك من بدله شيئا، فكان ذلك ترغيبا في إبقاء صداقها وسياقة مهرها إليها على قدر مئونة، ظانا أن ذلك منه نحلة، ولا تعطوهنّ المهور كارهين، ظانين أن ذلك غرامة، ولكن لتكون أنفسهم طيبة به.
قوله تعالى :(فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ «٤» هَنِيئاً مَرِيئاً) (٤) :
وذلك يدل على أن للمرأة هبة الصداق من زوجها، بكرا كانت أو
(١) أي أعطوا النساء اللاتي أمر بنكاحهن مهورهن عطاء غير مسترد بحيلة تلجئهن الى الرد
(٢) سورة النساء آية ١١.
(٣) انظر الطبري ج ٤ ص ٢٤٢.
(٤) الضمير للصدقات، وذكره لاجرائه مجرى ذلك، والمعنى : فان أحللن لكم من المهر شيئا بطيبة النفس، جلبا لمودتكم، لا لحياء عرض لهن منكم أو من غيركم، ولا لاضطرارهن الى البذل من شكاسة أخلاقكم وسوء معاشرتكم، فخذوه وتصرفوا فيه.