ج ٢، ص : ٣٣٥
والذين قالوا : إنها منسوخة لعلهم قالوا : ظاهر قولهم (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) الوجوب، ولا وجوب هاهنا، فبقي أنه منسوخ، وليس ذلك من النسخ في شيء إنما هو حمل اللفظ على بعض مقتضياته، وإنما النسخ أن يثبت أن ذلك كان من قبل على ما الآن عليه، ثم نسخ.
فأما قوله :(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا «١» عَلَيْهِمْ) الآية (٩).
اختلف السلف في تأويله، فقال قوم منهم ابن عباس «٢» : هو الرجل يحضره الموت، فيقول له من يحضره : أوص لفلان ولفلان، فيأمر الموصي بالإسراف فيما يعطيه لليتامى والمساكين، وندب له أن يزيد على الثلث، وهذا كان قبل أن تكون الوصية محصورة في الثلث، فيحثه من حضره على أن يوصي بأكثر المال لأقاربه اليتامى والمساكين، فقال اللّه تعالى : لا تأمروه بما لا تفعلوه لو حضركم الموت.
وفيه بيان أن المستحب له إذا كان ورثته ضعفاء وهو قليل المال، أن لا يوصي بشيء، أو يوصي بأقل من الثلث، كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لسعد لما رده إلى الثلث فقال :
«و الثلث كثير» الحديث «٣».
فأبان له أن استغناء الورثة بفضلها، أولى من استغناء غيرهم.
(١) وهذه الآية قد اختلف العلماء في تأويلها، فقالت طائفة : هذا وعظ للأوصياء، أي افعلوا باليتامى ما تحبون أن يفعل بأولادكم من بعدكم وقالت طائفة : المراد جميع الناس أمرهم باتقاء اللّه في الأيتام وأولاد الناس، وان لم يكونوا في حجورهم، وأن يسددوا لهم القول كما يريد كل واحد منهم أن يفعل بولده بعده.
(٢) وقتادة، والسدي، وابن جبير، والضحاك، ومجاهد. [.....]
(٣) أخرجه الامام البخاري في صحيحه كتاب الجنائز، باب رثي النبي صلّى اللّه عليه وسلم سعد بن خولة.