ج ٢، ص : ٣٦٩
وهذا بعيد، فإن الجهة هناك واحدة، واختلفت الجهة فيما نحن فيه، والأصل نفي الاتحاد بين الجهتين وتوفير مقتضى كل علة عليها، إلا ما كان مستثنى في حق الإخوة، والنافي منفي على أصله.
إذا ثبت الحكم في هذه المسائل فقد قال تعالى :(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) «١»، قدم الوصية على الدين في ثلاثة مواضع.
نعم أفاد بقوله :«أو» نفي اعتبار جمع الأمرين، فإنه لو قال :
«من بعد وصية ودين» بالعطف، لا أحتمل أن يقال : يعتبر وجود الأمرين، وإذا قال :«أو دين»، علم به أن اجتماعهما لا يعتبر، ومثله قوله تعالى :(وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) «٢»، أي لا تطعهما ولا كل واحد منهما، ومثله قول القائل : جالس الحسن أو ابن سيرين، هو أما بمجالستهما أو مجالسة أحدهما، فإذا قال : جالس الحسن وابن سيرين، احتمل أن يكون قد أمر بمجالستهما مجتمعين ومنفردين.
يبقى أن يقال : إنه تعالى قدم الدين على الوصية.
فيقال : إن المراد به استثناؤهما من جملة الميراث، وهما بالإضافة إلى التركة واحد، فإنهما مقدمان على حق الورثة، وليس يظهر أثر التقديم بالإضافة إلى الورثة، وإنما تتفاوت الوصية والدين في أنفسهما عند قطع النظر عن حق الورثة، وليس في الآية تعرض لذلك، وهذا بين، وكأنه تعالى ذكر الوصية قبل الدين، لأن الوصية أغلب وأكثر من الدين، فإنه قد يموت كثير ولا دين عليه، ولا يموت الإنسان غالبا إلا ويكون

__
(١) سورة النساء آية ١١.
(٢) سورة الإنسان آية ٢٤. [.....]


الصفحة التالية
Icon