ج ٣، ص : ٧٦
ولا يقول ابن عباس إنه نسخ ذلك من طريق الرأي، فإن مدركه التوقيف والعلم بالتواريخ، إلا أنه يقال : يجوز أن يكون قد أخطأ وغلط في الذي ادّعاه من التوقيف، ولم يكن طريقه النسخ، وإذ قال الصحابي أو التابعي كذا منسوخ بكذا، فلا يقبل ذلك دون أن ينظر فيه.
ويجوز أن يكون معنى قوله :(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ) : المنع من اتباع آرائهم فيما قد نسخ، ولا يمنع ذلك من جواز الإعراض عنهم، مثل منوب الجزية عليهم، فإنهم ما كانوا إذ ذاك داخلين في أحكام الإسلام، وإنما كان بينهم وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم هدنة، أن لا يتعرض لهم ولا يؤاخذون بشيء من أحكام الإسلام، فتكون «١» منهم ولهم، فلما أمر اللّه تعالى بأخذ الجزية منهم وإجراء أحكام المسلمين عليهم، أمر بالحكم بينهم بما أنزل اللّه تعالى، فسيكون حكما للآيتين جميعا تاما.
فإذا احتمل الأمرين، فليس قوله : أو أعرض عنهم، نصا حتى يحتاج إلى طلب نسخه، فعلى هذا ينبغي أن يقال : يجب على الإمام أن يحكم بينهم.
ويحتمل أن يقال : من حيث إنهم لا يؤاخذون بأحكام الإسلام وتفاصيل الحلال والحرام، يجوز للإمام أن لا يحكم بينهم أصلا.
وروي عن ابن عباس أن الآية التي في المائدة قوله :(فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ)، إنما نزلت في الدية بين بني قريظة وبني النضير، وذلك أن بني النضير كان لهم شرف يدون دية كاملة، وأن بني قريظة يدون نصف الدية، فتحاكموا في ذلك إلى رسول اللّه، فأنزل اللّه تعالى الآية
(١) أي فتكون أحكامهم.