ج ٤، ص : ١٨٠
ممكن، فكان قتل تارك الصلاة من حيث تعذر استيفاؤها منه، بمثابة قتل تارك الزكاة إذا انحاز إلى فئة.
قوله تعالى :(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ)، الآية/ ٦.
اعلم أن هذا لا دلالة فيه على أمان مشرك، ووجوب بذل الأمان فيمن يطلب الأمان، وذلك أن اللّه تعالى إنما ذكر ذلك وشرع الأمان لفائدة، وهي سماع الأدلة من كتاب اللّه تعالى، والكفار متى طلبوا تعرف التوحيد والعدل وبطلان ما هم عليه وجب ذلك، وإذا وجب على الرسول صلّى اللّه عليه وسلم، وجب على سائر الأمة، بل على سائر المجاهدين.
ولا يحل للمجاهد قتل الكافر مع طلبه التعرف للدين، والوقوف على الأدلة، لأنه لو حل قتله، لم يجز أن يجار وأن يؤمن، فلذلك لا يجوز أن يخلو المجاهدون من العلماء، لأنه لا يأمن أن يكون في الكفار من يلتمس ذلك، فإذا لم يجد من يحل شبهته، ويثبت له طريقة الحق، لم تجز مقاتلته.
فلو قالوا : إنا نريد الوقوف على طريق الحق وتمييزه عن الباطل، فأمهلونا ودعوا مقاتلتنا، لوجب ذلك، وكما يجب أن يكون في عسكر الإسلام من يستعد لقوة الدين بالسلاح والعدة، فكذلك يجب أن يكون فيهم من يستقل بقوة المناظرة وتعريف الأدلة.
فقوله تعالى :(فَأَجِرْهُ)، أمر دال على الوجوب، ولا وجوب إلا عند هذا الغرض، وليس هذا الغرض من الأمان المعروف في الشرع في شيء، فإن الامان هو الذي يحصل بسبب من المسلم موقوفا على خيرته : إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل، وفي الاستجارة لغرض الاستماع لكلام اللّه عز وجل، يجب الأمان، وتنكف السيوف عن رقبته، ويتحرس «١» دمه متى طلب ذلك، سواء كان جرى منا الأمان أو لم يجر.
(١) تحرس : تحفظ.