هذا فإنه يكشفون وجوها من أعلى درجات البلاغة، وأجل ما تقتضيه مراعاة حال المخاطب، وُيظهرون حِكْمةَ ورود الآية على هذا الوجه، وأنه ليس إلا ضرب من التفنن في الأساليب البلاغية، وأخذ بها من جميع أطرافها.
ثم نجد أن البدهيات تدخل في أبواب عديدة من مباحث البلاغة كالإِطناب، والتوكيد، والتكميل، والتتميم، وغيرها، وليس في وسعنا تتبع هذه المباحث هنا واستقصاؤها وإنما نشير إلى مبحثين منها من أهمها وأوسعها أعني مَبْحَثَيّ الإِطناب والتأكيد.
الإِطناب:
والإِطناب مصدر أطنب في كلامه إطناباً إذا بالغ فيه وطَوَّل ذيوله لإِفادة المعاني. واشتقاقه من قولهم: أطنب بالمكان إذا أطال مقامه فيه، وفرس مطنب إذا طال متنه، ومن أجل ذلك سُمِّي حبل الخيمة طنباً لطوله، وهو نقيض الإيجاز في الكلام ١.
والعلاقة بين الإِطناب والبلاغة وثيقة بل عرفوا الإِطناب بأنه "البلاغة في المنطق والوصف مدحاً كان أو ذماً، وأطنب في الكلام: بالغ فيه"٢.
بل عرّفوا البلاغة بأنها: " الإِيجاز والإِطناب" ٣ وإنما جمعوا بينهما وهما نقيضان لاختلاف المقامات فما يصلح في مقام لا يصلح في الآخر، ولهذا قال العسكري: "القول القصد أن الإِيجاز والإِطناب يُحتاج إليهما في جميع الكلام وكل نوع منه، ولكل واحد منهما موضع، فالحاجة إلى الإِيجاز في موضعه كالحاجة إلى الإطناب في مكانه، فمن أزال التدبير في ذلك عن جهته،
٢ لسان العرب: ابن منظور: ج١ ص ٥٦٢ مادة (طنب).
٣ الإتقان: السيوطي، ج٢ ص ٥٣.