* القسم الثالث: إثبات الشيء ونفي نقيضه:
ومثاله قوله تعالى: ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾ ١، فإن الموت والحياة متضادان لا يرتفعان معا ولا يلتقيان فنفيُ أحدهما إثبات للآخر، وعلي هذا يكفي وصفهم بأنهم أموات لنعلم أنهم غيرُ أحياء إلا أنه هنا نفى الحياة وهو معلوم من وصفهم أولاً بالموت.
وفائدةُ ذلك بيان أنها أموات لا يعقب موتها حياة، احترازا عن أموات يعقب موتها حياة، كالنطف والبيض والأجساد الميتة، وذلك أبلغ في موتها كأنه قال: "أموات في الحال غير أحياء في المآل"٢، قال الفخر الرازي: "الإِله هو الحي الذي لا يحصل عقيب حياته موت، وهذه الأصنام أموات لا يحصل عقيب موتها الحياة" ٣.
وقال الرازي: "والوجه الثاني: أَنَّ هذا الكلام مع الكفار الذين يعبدون الأوثان وهم في نهاية الجهالة والضلالة، ومن تكلم مع الجاهل الغر الغبي فقد يحسن أن يُعَبِّرَ عن المعنى الواحد بالعبارات الكثيرة، وغرضه منه الإِعلام بكون ذلك المخاطب في غاية الغباوة، وإنه إنما يعيد تلك الكلمات لكون ذلك السامع في نهاية الجهالة، وأنه لا يفهم المعنى المقصود بالعبارة الواحدة"٤.
قلت: وفي هذا مبالغة لأن المخاطبين ليسوا على هذه الدرجة الموصوفة من الغباء وعدم الفهم بل كانوا يدركون ذلك ويفهمونه ويعلمون أنها لا تضر ولا تنفع، ولكنه التقليد الأعمى والعناد المستكبر، وقد بين الله ذلك في آيات كقوله سبحانه في سورة الشعراء على لسان إبراهيم عليه السلام مخاطبا قومه
٢ مسائل الرازي: ص١٧٢. والبحر المحيط: ج٥ ص٤٨٢. وتفسير أبي السعود: ج٥ ص ١٠٦.
٣ التفسير الكبير: الفخر الرازي، ج٢٠ ص١٥_ ١٦.
٤ التفسير الكبير: الفخر الرازي، ج٢٠ ص ١٦.